التسمية بينهما وقيل سورة يونس أو أسباع القرآن ﴿ مِّنَ الْمَثَانِي ﴾ [الحجر : ٨٧] هي من التثنية وهي التكرير لأن الفاتحة مما يتكرر في الصلاة أو من الثناء لاشتمالهما على ما هو ثناء على الله والواحدة مثناة أو مثنية صفة للآية وأما السور أو الأسباع فلما وقع فيها من تكرير القصص والمواعظ والوعد والوعيد ولما فيها من الثناء كأنها تثني على الله وإذا جعلت السبع مثاني فمن للتبيين وإذا جعلت القرآن مثاني فمن للتبعيض ﴿ وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر : ٨٧] هذا ليس بعطف الشيء على نفسه لأنه إذا أريد بالسبع الفاتحة أو الطوال فما وراءهن ينطلق عليه اسم القرآن لأنه اسم يقع على البعض كما يقع على الكل دليله قوله ﴿ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـاذَا الْقُرْءَانَ ﴾ [يوسف : ٣] يعني سورة يوسف وإذا أريد به الأَسباع فالمعنى ولقد آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم أي الجامع لهذين النعتين وهو التثنية أو الثناء والعظم ثم قال لرسوله
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٨
﴿ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ﴾ [الحجر : ٨٨] أي لا تطمح ببصرك طموح راغب فيه متمن له ﴿ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ ﴾ [الحجر : ٨٨] أصنافاً من الكفار كاليهود والنصارى والمجوس يعني قد أوتيت النعمة العظمى التي كل نعمة وإن عظمت فهي إليها حقيرة وهي القرآن العظيم فعليك أن تستغني به ولا تمدن عينيك إلى متاع الدنيا وفي الحديث " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " وحديث أبي بكر " من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغّر عظيماً وعظم صغيراً " ﴿ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الحجر : ٨٨] أي لا تتمن أموالهم ولا تحزن عليهم أنهم لم يؤمنوا فيتقوى بمكانهم الإسلام والمسلمون ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الحجر : ٨٨] وتواضع لمن معك من فقراء المؤمنين وطب نفساً عن إيمان الأغنياء ﴿ وَقُلْ ﴾ لهم ﴿ إِنِّى أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ ﴾ [الحجر : ٨٩] أنذركم ببيان وبرهان أن عذاب الله نازل بكم
٤٠٠
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٠٠
﴿ كَمَآ أَنزَلْنَا ﴾ [الحجر : ٩٠] متعلق بقوله ولقد آتيناك أي أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا ﴿ عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ ﴾ [الحجر : ٩٠] وهم أهل الكتاب ﴿ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْءَانَ عِضِينَ ﴾ [الحجر : ٩١] أجزاء جمع عضة وأصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء حيث قالوا بعنادهم بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما فاقتسموه إلى حق وباطل وعضوه وقيل كانوا يستهزئون به فيقول بعضهم سورة البقرة لي ويقول الآخر سورة آل عمران لي أو أريد بالقرآن ما يقرؤونه من كتبهم وقد اقتسموه فاليهود أقرت ببعض التوراة وكذبت ببعض والنصارى أقرت ببعض الإنجيل وكذبت ببعض ويجوز أن يكون الذين جعلوا القرآن عضين منصوباً بالنذير أي أنذر المعضين الذين يجزّئون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير مثل ما أنزلنا على المقتسمين وهم الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم فقعدوا في كل مدخل متفرقين لينفروا الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول بعضهم لا تغتروا بالخارج منا فإنه ساحر يقول الآخر كذاب والآخر شاعر فأهلكهم الله.
ولا تمدن عينيك على الوجه الأول اعتراض بينهما لأنه لما كان ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم عن تكذيبهم وعداوتهم اعترض بما هو مدار لمعنى التسلية من النهي عن الإلتفات إلى دنياهم والتأسف على كفرهم ومن الأمر بأن يقبل بكليته على المؤمنين ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْـاَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ أقسم بذاته وربوبيته ليسألن يوم القيامة واحداً واحداً من هؤلاء المقتسمين عما قالوه في رسول الله صلى الله عليه وسلّم أو في القرآن أو في كتب الله ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ﴾ [الحجر : ٩٤] فاجهر به وأظهره يقال صدع بالحجة إذا تكلم بها جهاراً من الصديع وهو الفجر أو فاصدع فافرق بين الحق والباطل من الصدع في الزجاجة وهو الإبانة بما تؤمر من الشرائع فحذف الجار كقوله : أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام : ١٠٦] هو أمر استهانة بهم
٤٠١
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٠١


الصفحة التالية
Icon