﴿ يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ ﴾ [الأنعام : ٩٥] النبات الغض النامي من الحب اليابس ﴿ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَىِّ ﴾ [الأنعام : ٩٥] الحب اليابس من النبات النامي، أو الإنسان من النطفة والنطفة من الإنسان، أو المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، فاحتج الله عليهم بما يشاهدونه من خلقه لأنهم أنكروا البعث فأعلمهم أنه الذي خلق هذه الأشياء فهو يقدر على بعثهم.
وإنما قال ﴿ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ ﴾ [الأنعام : ٩٥] بلفظ اسم الفاعل لأنه معطوف على فالق الحب لا على الفعل و ﴿ يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ ﴾ [الأنعام : ٩٥] موقعه موقع الجملة المبينة لقوله ﴿ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾ [الأنعام : ٩٥] لأن فلق الحب والنوى بالنبات والشجر الناميين من جنس إخراج الحي من الميت لأن النامي في حكم الحيوان دليله قوله :﴿ يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ ﴾ [الروم : ١٩] (الروم : ٩١).
﴿ ذَالِكُمُ اللَّهُ ﴾ [غافر : ٦٢] ذلكم المحيي والمميت هو الله الذي تحق له الربوبية لا الأصنام ﴿ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [الأنعام : ٩٥] فكيف تصرفون عنه وعن تواليه إلى غيره بعد وضوح الأمر بما ذكرنا ﴿ فَالِقُ الاصْبَاحِ ﴾ [الأنعام : ٩٦] } هو مصدر سمي به الصبح أي شاق عمود الصبح عن سواد الليل أو خالق نور النهار ﴿ وَجَعَلَ الَّيْلَ ﴾ [الأنعام : ٩٦] ﴿ وَجَعَلَ الَّيْلَ ﴾ [الأنعام : ٩٦] كوفي لأن اسم الفاعل الذي قبله بمعنى المضي، فلما كان فالق بمعنى فلق عطف عليه ﴿ جَعَلَ ﴾ لتوافقهما معنى ﴿ سَكَنًا ﴾ مسكوناً فيه من قوله ﴿ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ﴾ [يونس : ٦٧] (يونس : ٧٦) أي ليسكن فيه الخلق عن كد المعيشة إلى نوم الغفلة، أو عن وحشة الخلق إلى الأنس بالحق ﴿ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾ [الأنعام : ٩٦] انتصبا بإضمار فعل يدل عليه جاعل الليل أي وجعل الشمس والقمر ﴿ حُسْبَانًا ﴾ أي جعلهما على حسبان لأن حساب الأوقات يعلم بدورهما وسيرهما.
والحسبان بالضم مصدر حسب كما أن الحسبان بالكسر مصدر حسب ﴿ ذَالِكَ ﴾ إشارة إلى جعلهما حسباناً أي ذلك التسيير بالحساب المعلوم ﴿ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ ﴾ [الأنعام : ٩٦] الذي قهرهما وسخرهما ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بتدبيرهما وتدويرهما ﴿ وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ ﴾ [الأنعام : ٩٧] خلقها ﴿ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِى ظُلُمَـاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ [الأنعام : ٩٧]
٣٧
أي في ظلمات الليل بالبر وبالبحر، وأضافها إليهما لملابستها لهما أو شبه مشتبهات الطرق بالظلمات ﴿ قَدْ فَصَّلْنَا الايَـاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام : ٩٧] قد بينا الآيات الدالة على التوحيد لقوم يعلمون.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥


الصفحة التالية
Icon