جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣٩
﴿ إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾ [النحل : ١٢٤] أي فرض عليهم تعظيمه وترك الاصطياد فيه ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [النحل : ١٢٤] روى أن موسى عليه السلام أمرهم أن يجعلوا في الأسبوع يوماً للعبادة وأن يكون يوم الجمعة فأبوا عليه وقالوا نريد اليوم الذي فرغ الله فيه من خلق السماوات والأرض وهو السبت إلا شرذمة منهم قد رضوا بالجمعة فهذا اختلافهم في السبت لأن بعضهم اختاروه وبعضهم اختاروا عليه الجمعة فأذن الله لهم في السبت وابتلاهم بتحريم الصيد فأطاع أمر الله الراضون بالجمعة فكانوا لا يصيدون وأعقابهم لم يصبروا عن الصيد فمسخهم الله دون أولئك وهو يحكم بينهم يوم القيامة فيجازي كل واحد من الفريقين بما هو أهله ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ﴾ [النحل : ١٢٥] إلى الإسلام ﴿ بِالْحِكْمَةِ ﴾ بالمقالة الصحيحة المحكمة وهو الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة ﴿ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ [النحل : ١٢٥] وهي التي لا يخفى عليهم أنك تناصحهم بها وتقصد ما ينفعهم فيها أو بالقرآن أي ادعهم بالكتاب الذي هو حكمة وموعظة حسنة أو الحكمة المعرفة بمراتب الأفعال والموعظة الحسنة أن يخلط الرغبة بالرهبة والإنذار بالبشارة ﴿ وَجَـادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل : ١٢٥] بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين من غير فظاظة أو بما يوقظ القلوب ويعظ النفوس ويجلو العقول وهو رد على من يأبى المناظرة في الدين ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤٠
النحل : ١٢٥] أي هو أعلم بهم فمن كان فيه خير كفاه الوعظ القليل ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ﴾ [النحل : ١٢٦] سمى الفعل الأول عقوبة
٤٤٠
والعقوبة هي الثانية لازدواج الكلام كقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها فالثانية ليست بسيئة والمعنى إن صنع بكم صنيع سوء من قتل أونحوه فقابلوه بمثله ولا تزيدوا عليه روى أن المشركين مثلوا بالمسلمين يوم أحد وبقروا بطونهم وقطعوا مذاكيرهم فرأى النبي عليه السلام حمزة مبقور البطن فقال :" أما والذي أحلف به لأمثلن بسبعين مكانك " فنزلت فكفر عن يمينه وكف عما أراد ولا خلاف في تحريم المثلة لورود الأخبار بالنهي عنها حتى بالكلب العقور ﴿ وَلَـاـاِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّـابِرِينَ ﴾ [النحل : ١٢٦] الضمير في لهو يرجع إلى مصدر صبرتم والمراد بالصابرين المخاطبون أي ولئن صبرتم لصبركم خير لكم فوضع الصابرين موضع الضمير ثناء من الله عليهم لأنهم صابرون على الشدائد ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٤٠
﴿ وَاصْبِرْ ﴾ أنت فعزم عليه بالصبر ﴿ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ ﴾ [النحل : ١٢٧] أي بتوفيقه وتثبيته ﴿ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الحجر : ٨٨] على الكفار أن لم يؤمنوا وعلى المؤمنين وما فعل بهم الكفار فإنهم وصلوا إلى مطلوبهم ﴿ وَلا تَكُ فِى ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [النحل : ١٢٧] ضِيق مكي والضيق تخفيف الضيق أي في أمر ضيق ويجوز أن يكونا مصدرين كالقيل والقول والمعنى ولا يضيقن صدرك من مكرهم فإنه لا ينفذ عليك ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ﴾ [النحل : ١٢٨] أي هو ولي الذين اجتنبوا السيئات وولي العاملين بالطاعات قيل من اتقى في أفعاله وأحسن في أعماله كان الله معه في أحواله.
ومعيته نصرته في المأمور وعصمته في المحظور.
٤٤١


الصفحة التالية
Icon