جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٦٧
﴿ وَمَن كَانَ فِى هَـاذِهِ ﴾ [الإسراء : ٧٢] الدنيا ﴿ أَعْمَى فَهُوَ فِى الاخِرَةِ أَعْمَى ﴾ [الإسراء : ٧٢] كذلك ﴿ وَأَضَلُّ سَبِيلا ﴾ [الإسراء : ٧٢] من الأعمى أي أضل طريقاً، والأعمى مستعار ممن لا يدرك المبصرات لفساد حاسته لمن لا يهتدي إلى طريق النجاة أما في الدنيا فلفقد النظر وأما في الآخرة فلأنه لا ينفعه الاهتداء إليه وقد جوّزوا أن يكون الثاني بمعنى التفضيل بدليل عطف وأضل ومن ثم قرأ أبو عمرو الأول ممالاً والثاني مفخماً لأن أفعل التفضيل تمامه بمن فكانت ألفه في حكم الواقعة في وسط الكلمة فلم يقبل الإمالة وأما الأول فلم يتعلق به شيء فكانت ألفه واقعة في الطرف فقبلت الإمالة، وأمالهما حمزة وعلي وفخمهما الباقون ولما قالت قريش اجعل آية رحمة آية عذاب وآية عذاب آية رحمة حتى نؤمن بك نزل ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ [الإسراء : ٧٣] إن مخففة من الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية والمعنى إن الشأن قاربوا أن يفتنوك أي يخدعوك فاتنين ﴿ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ﴾ [الإسراء : ٧٣] من أوامرنا ونواهينا ووعدنا ووعيدنا ﴿ لِتَفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ﴾ [الإسراء : ٧٣] لتتقول علينا ما لم نقل يعني ما اقترحوه من تبديل الوعد وعيداً والوعيد وعداً ﴿ وَإِذًا اتَّخَذُوكَ خَلِيلا ﴾ [الإسراء : ٧٣] أي ولو اتبعت مرادهم لاتخذوك خليلا ولكنت لهم ولياً وخرجت من ولايتي ﴿ وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَـاكَ ﴾ [الإسراء : ٧٤] ولولا تثبيتنا وعصمتنا ﴿ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ ﴾ [الإسراء : ٧٤] لقاربت أن تميل إلى مكرهم ﴿ شيئا قَلِيلا ﴾ [الإسراء : ٧٤] ركوناً قليلاً وهذا تهييج من الله له وفضل تثبيت
٤٦٨
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٦٨
﴿ إِذَآ ﴾ لو قاربت تركن إليهم أدنى ركنة ﴿ إِذًا لاذَقْنَـاكَ ضِعْفَ الْحَيَواةِ وَضِعْفَ ﴾ [الإسراء : ٧٥] لأذقناك عذاب الآخرة وعذاب القبر مضاعفين لعظيم ذنبك بشرف منزلتك ونبوتك كما قال :﴿ عَظِيمًا * يَـانِسَآءَ النَّبِىِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـاحِشَةٍ ﴾ الآية.
وأصل الكلام لأذقناك عذاب الحياة وعذاب الممات لأن العذاب عذابان عذاب في الممات وهو عذاب القبر وعذاب في حياة الآخرة وهو عذاب النار والعذاب يوصف بالضعف كقوله :﴿ قَالَ ادْخُلُوا فِى أُمَمٍ قَدْ ﴾ [الأعراف : ٣٨] أي مضاعفاً فكأن أصل الكلام لأذقناك عذاباً ضعفاً في الحياة وعذاباً ضعفاً في الممات ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وهو الضعف ثم أضيفت الصفة إضافة الموصوف فقيل ضعف الحياة وضعف الممات ويجوز أن يراد بضعف الحياة عذاب الحياة الدنيا وبضعف الممات ما يعقب الموت من عذاب القبر وعذاب النار وفي ذكر الكيدودة وتقليلها مع إتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين دليل على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله ولما نزلت كان عليه السلام يقول :" اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين " ﴿ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ﴾ [الإسراء : ٧٥] معيناً لك يمنع عذابنا عنك ﴿ وَإِن كَادُوا ﴾ [الإسراء : ٧٦] أي أهل مكة ﴿ لَيَسْتَفِزُّونَكَ ﴾
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٦٩
ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم ﴿ مِّنَ الارْضِ ﴾ [الروم : ٢٥] من أرض مكة ﴿ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ ﴾ [الإسراء : ٧٦] لا يبقون ﴿ خَلْفَكَ ﴾ بعدك أي بعد إخراجك حلافك كوفي غير أبي بكر وشامي بمعناه ﴿ إِلا قَلِيلا ﴾ [النساء : ٤٦] زماناً قليلاً فإن الله مهلكهم وكان كما قال : فقد أهلكوا ببدر بعد إخراجه بقليل أو معناه ولو أخرجوك لاستؤصلوا عن بكرة أبيهم ولم يخرجوه بل هاجر بأمر ربه وقيل من أرض العرب أو من أرض المدينة ﴿ سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا ﴾ [الإسراء : ٧٧] يعني أن كل قوم أخرجوا رسولهم من بين ظهرانيهم فسنة الله أن يهلكهم ونصبت نصب المصدر المؤكد أي سن الله ذلك سنة ﴿ وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلا ﴾ [الإسراء : ٧٧] تبديلاً
٤٦٩