العقل عن إدراك معرفة مخلوق مجاور له ليدل على أنه عن إدراك خالقه أعجز ولذا رد ما قيل في حده أنه جسم دقيق هوائي في كل جزء من الحيوان وقيل هو خلق عظيم روحاني أعظم من الملك وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو جبريل عليه السلام : نزل به الروح الأمين على قلبك.
وعن الحسن القرآن دليله : وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا.
ولأن به حياة القلوب ومن أمر ربي أي من وحيه وكلامه ليس من كلام البشر وروى أن اليهود بعثت إلى قريش أن سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فإن أجاب عن الكل أو سكت عن الكل فليس بنبي وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي فبين لهم القصتين وأبهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة فندموا على سؤالهم وقيل كان السؤال عن خلق الروح يعني أهو مخلوق أم لا وقوله : من أمر ربي دليل خلق الروح فكان هذا جواباً ﴿ وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا ﴾ [الإسراء : ٨٥] الخطاب عام.
فقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما قال لهم ذلك قالوا نحن مختصون بهذا الخطاب أم أنت معنا فيه فقال :" بل نحن وأنتم لم نؤت من العلم إلا قليلاً " وقيل هو خطاب لليهود خاصة لأنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلّم قد أويتنا التوراة وفيها الحكمة وقد تلوت ﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [البقرة : ٢٦٩] فقيل لهم : إن علم التوراة قليل في جنب علم الله فالقلة والكثرة من الأمور الإضافية فالحكمة التي أوتيها العبد خير كثير في نفسها إلا أنها إذا أضيفت إلى علم الله تعالى فهي قليلة ثم نبه على نعمة الوحي وعزاه بالصبر على أذى الجدال في السؤال بقوله :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٧١
﴿ وَلَـاـاِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ﴾ [الإسراء : ٨٦] لنذهبن جواب قسم محذوف مع نيابته عن جزاء الشرط واللام الداخلة على إن توطئة للقسم والمعنى إن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه من الصدور والمصاحف فلم نترك له أثراً ﴿ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلا ﴾ [الإسراء : ٨٦] أي ثم لا تجد لك بعد الذهاب به من يتوكل علينا باسترداده وإعادته محفوظاً مسطورا
٤٧٢
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٧٢
﴿ إِلا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا ﴾ [الإسراء : ٨٧] أي إلا أن يرحمك ربك فيرده عليك كأن رحمته تتوكل عليه بالرد أو يكون على الاستثناء المنقطع أي ولكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به وهذا امتنان من الله تعالى ببقاء القرآن محفوظاً بعد المنة العظيمة في تنزيله وتحفيظه ونزل جواباً لقول النضر : لو نشاء لقلنا مثل هذا ﴿ قُل لَّـاـاِنِ اجْتَمَعَتِ الانسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـاذَا الْقُرْءَانِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء : ٨٨] معيناً ولا يأتون جواب قسم محذوف ولولا اللام الموطئة لجاز أن يكون جواباً للشرط كقوله :
يقول لا غائب مالي ولا حرم
لأن الشرط وقع ماضياً أي لو تظاهروا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في بلاغته وحسن نظمه وتأليفه لعجزوا عن الإتيان بمثله ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا ﴾ [الإسراء : ٤١] رددنا وكررنا ﴿ لِلنَّاسِ فِى هَـاذَا الْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ﴾ [الإسراء : ٨٩] من كل معنى هو كالمثل في غرابته وحسنه ﴿ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا ﴾ [الإسراء : ٨٩] جحوداً وإنما جاز فأبى أكثر الناس إلا كفوراً ولم يجز ضربت إلا زيداً لأن أبى متأول بالنفي كأنه قيل فلم يرضوا إلا كفوراً ولما تبين إعجاز القرآن وانضمت إليه المعجزات الأخر ولزمتهم بالحجة وغلبوا اقترحوا الآيات فعل المبهوت المحجوج المتحير ﴿ وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا ﴾ [الإسراء : ٩٠] وبالتخفيف كوفي ﴿ مِّنَ الارْضِ ﴾ [الروم : ٢٥] أي مكة ﴿ يَنابُوعًا ﴾ عيناً غزيرة من شأنها أن تنبع بالماء لا تقطع، يفعول من نبع الماء ﴿ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ﴾ [الإسراء : ٩١] والتشديد هنا مجمع عليه
٤٧٣
لقوله ﴿ الانْهَـارَ خِلَـالَهَا ﴾ [الإسراء : ٩١] وسطها ﴿ تَفْجِيرًا ﴾
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٧٣