﴿ وَمِنَ الابِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ ﴾ [الأنعام : ١٤٤] منهما ﴿ حَرَّمَ أَمِ الانثَيَيْنِ ﴾ [الأنعام : ١٤٣] منهما ﴿ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الانثَيَيْنِ ﴾ [الأنعام : ١٤٣] أم ما تحمل إناثها ﴿ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ ﴾ [البقرة : ١٣٣] " أم " منقطعة أي بل أكنتم شهداء ﴿ إِذْ وَصَّـاكُمُ اللَّهُ بِهَـاذَا ﴾ [الأنعام : ١٤٤] يعني أم شاهدتم ربكم حين أمركم بهذا التحريم.
ولما كانوا لا يؤمنون برسول الله وهم يقولون الله حرم هذا الذي نحرمه تهكم بهم في قوله ﴿ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ ﴾ [البقرة : ١٣٣] على معنى أعرفتم التوصية به مشاهدين لأنكم لا تؤمنون بالرسل ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ [الأنعام : ١٤٤] فنسب إليه تحريم ما لم يحرم ﴿ لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ ﴾ [الأنعام : ١٤٤] أي الذين في علمه أنهم يختمون على الكفر.
ووقع الفاصل بين بعض المعدود وبعضه اعتراضاً غير أجنبي من المعدود، وذلك أن الله منّ على عباده بإنشاء الأنعام لمنافعهم وبإباحتها لهم، فالاعتراض بالاحتجاج على من حرمها يكون تأكيداً للتحليل، والاعتراضات في الكلام لا تساق إلا للتوكيد.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٤
﴿ قُل لا أَجِدُ فِى مَآ أُوحِىَ إِلَىَّ ﴾ [الأنعام : ١٤٥] أي في ذلك الوقت أو في وحي القرآن لأن وحي السنة قد حرم غيره، أو من الأنعام لأن الآية في رد البحيرة وأخواتها.
وأما الموقوذة والمتردية والنطيحة فمن الميتة، وفيه تنبيه على أن التحريم إنما يثبت بوحي
٥٦
الله وشرعه لا يهوى الأنفس ﴿ مُحَرَّمًا ﴾ حيواناً حرم أكله ﴿ عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ﴾ [الأنعام : ١٤٥] على آكل يأكله ﴿ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً ﴾ [الأنعام : ١٤٥] إلا أن يكون الشيء المحرم ميتة ﴿ أَن تَكُونَ ﴾ [النحل : ٩٢] مكي وشامي وحمزة ﴿ مَيْتَةً ﴾ شامي ﴿ أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا ﴾ [الأنعام : ١٤٥] مصبوباً سائلاً فلا يحرم الدم الذي في اللحم والكبد والطحال ﴿ أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾ [الأنعام : ١٤٥] نجس ﴿ أَوْ فِسْقًا ﴾ [الأنعام : ١٤٥] عطف على المنصوب قبله.
وقوله ﴿ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾ [الأنعام : ١٤٥] اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه ﴿ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ [الأنعام : ١٤٥] منصوب المحل صفة لـ ﴿ فِسْقًا ﴾ أي رفع الصوت على ذبحه باسم غير الله، وسمي بالفسق لتوغله في باب الفسق ﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ ﴾ [البقرة : ١٧٣] فمن دعته الضرورة إلى أكل شيء من هذه المحرمات ﴿ غَيْرَ بَاغٍ ﴾ [الأنعام : ١٤٥] على مضطر مثله تارك لمواساته ﴿ وَلا عَادٍ ﴾ [النحل : ١١٥] متجاوز قدر حاجته من تناوله ﴿ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الأنعام : ١٤٥] لا يؤاخذه ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ ﴾ [الأنعام : ١٤٦] أي ماله أصبع من دابة أو طائر ويدخل فيه الإبل والنعام ﴿ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ ﴾ [الأنعام : ١٤٦] أي حرمنا عليهم لحم كل ذي ظفر وشحمه وكل شيء منه، ولم يحرم من البقر والغنم إلا الشحوم وهي الثروب وشحوم الكلى
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٤
﴿ إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَآ ﴾ [الأنعام : ١٤٦] إلا ما اشتمل على الظهور والجنوب من السّحفة ﴿ أَوِ الْحَوَايَآ ﴾ [الأنعام : ١٤٦] أو ما اشتمل على الأمعاء واحدها حاوياء أو حوية ﴿ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ﴾ وهو الألية أو المخ ﴿ ذَالِكَ ﴾ مفعول ثان لقوله ﴿ جَزَيْنَـاهُم ﴾ والتقدير جزيناهم ذلك ﴿ بِبَغْيِهِمْ ﴾ بسبب ظلمهم ﴿ وَإِنَّا لَصَـادِقُونَ ﴾ [الأنعام : ١٤٦] فيما أخبرنا به وكيف نشكر من سبب معصيتهم لتحريم الحلال ومعصية سالفنا لتحليل الحرام حيث قال.
وعفا عنكم فالآن باشروهن.
٥٧
﴿ فَإِن كَذَّبُوكَ ﴾ [آل عمران : ١٨٤] فيما أوحيت إليك من هذا ﴿ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ﴾ [الأنعام : ١٤٧] بها يمهل المكذبين ولا يعاجلهم بالعقوبة ﴿ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ ﴾ [الأنعام : ١٤٧] عذابه مع سعة رحمته ﴿ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأنعام : ١٤٧] إذا جاء فلا تغتر بسعة رحمته عن خوف نقمته.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٤
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٨