سيروا لأجل النظر ولا تسيروا سير الغافلين.
ومعنى ﴿ سِيرُوا فِى الارْضِ ثُمَّ انظُرُوا ﴾ [الأنعام : ١١] إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها وإيجاب النظر في آثار الهالكين على ذلك بـ " ثم " لتباعد ما بين الواجب والمباح ﴿ قُل لِّمَن مَّا فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [الأنعام : ١٢] " من " استفهام و " ما " معنى الذي في موضع الرفع على الابتداء و " لمن " خبره ﴿ قُل لِّلَّهِ ﴾ [الزمر : ٤٤] تقرير لهم أي هو لله لا خلاف بيني وبينكم، ولا تقدرون أن تضيفوا منه شيئاً إلى غيره ﴿ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام : ١٢] أصل كتب أوجب ولكن لا يجوز الإجراء على ظاهره إذ لا يجب على الله شيء للعبد، فالمراد به أنه وعد ذلك وعداً مؤكداً وهو منجزه لا محالة.
وذكر النفس للاختصاص ورفع الوسائط، ثم أوعدهم على إغفالهم النظر و إشراكهم به من لا يقدر على خلق شيء بقوله ﴿ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ ﴾ [النساء : ٨٧] فيجازيكم على إشراككم ﴿ لا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [الأنعام : ١٢] في اليوم أو في الجمع ﴿ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم ﴾ [الأعراف : ٩] نصب على الذم أي أريد الذين خسروا أنفسهم باختيارهم الكفر ﴿ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام : ١٢] وقال الأخفش :" الذين " بدل من " كم " في ﴿ لَيَجْمَعَنَّكُمْ ﴾ أي ليجمعن هؤلاء المشركين الذين خسروا أنفسهم و الوجه هو الأول لأن سيبويه قال : لا يجوز " مررت بي المسكين ولا بك المسكين " فتجعل " المسكين " بدلاً من الياء أو الكاف لأنهما في غاية الوضوح فلا يحتاجان إلى البدل والتفسير.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥
﴿ وَلَهُ ﴾ عطف على ﴿ لِّلَّهِ ﴾ ﴿ مَا سَكَنَ فِى الَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ من السكنى حتى يتناول الساكن والمتحرك أو من السكون ومعناه ما سكن وتحرك فيهما فاكتفى بأحد الضدين عن الآخر كقوله ﴿ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ﴾ [النحل : ٨١] (النحل : ٢٨) أي الحر والبرد، و ذكر السكون لأنه أكثر من الحركة وهو احتجاج على المشركين لأنهم لم ينكروا أنه خالق الكون و مدبره ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة : ١٣٧] يسمع كل مسموع ويعلم كل معلوم فلا يخفى عليه شيء مما يشتمل عليه الملوان.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٩
﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا ﴾ [الأنعام : ١٤] ناصراً ومعبوداً وهو مفعول ثان لـ ﴿ اتَّخَذَ ﴾ والأول
﴿ غَيْرِ ﴾ وإنما أدخل همزة الاستفهام على مفعول ﴿ اتَّخَذَ ﴾ لا عليه لأن الإنكار في اتخاذ غير الله ولياً لا في اتخاذ الولي فكان أحق بالتقديم ﴿ فَاطِرَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [يوسف : ١٠١] بالجر صفة لله أي مخترعهما.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ما عرفت معنى الفاطر حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها أي ابتدأتها ﴿ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ ﴾ [الأنعام : ١٤] وهو يرزق ولا يرزق أي المنافع كلها من عنده ولا يجوز عليه الانتفاع ﴿ قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ﴾ [الأنعام : ١٤] لأن النبي سابق أمته في الإسلام كقوله :﴿ وَبِذَالِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ (الأنعام : ٣٦١) ﴿ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام : ١٤] وقيل لي لا تكونن من المشركين ولو عطف على ما قبله لفظاً لقيل : وأن لا أكون، والمعنى : أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك ﴿ قُلْ إِنِّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأنعام : ١٥] أي إني أخاف عذاب يوم عظيم وهو القيامة إن عصيت ربي فالشرط معترض بين الفاعل والمفعول به محذوف الجواب ﴿ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ ﴾ [الأنعام : ١٦] العذاب ﴿ يَوْمَـاـاِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ﴾ [الأنعام : ١٦] الله الرحمة العظمى وهي النجاة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٩