والظلم وضع الشيء في غير موضعه، وأشنعه اتخاذ المخلوق معبوداً ﴿ مِمَّنِ افْتَرَى ﴾ [الصف : ٧] اختلق ﴿ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ [الكهف : ١٥] فيصفه بما لا يليق به ﴿ أَوْ كَذَّبَ بِـاَايَـاتِهِ ﴾ [الأنعام : ٢١] بالقرآن والمعجزات ﴿ أَنَّهُ ﴾ إن الأمر والشأن ﴿ لا يُفْلِحُ الظَّـالِمُونَ ﴾ [الأنعام : ٢١] جمعوا بين أمرين باطلين، فكذبوا على الله مالا حجة عليه وكذبوا بما ثبت بالحجة حيث قالوا : الملائكة بنات الله، وسموا القرآن والمعجزات سحراً.
﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ ﴾ [الأنعام : ٢٢] هو مفعول به والتقدير : واذكر يوم نحشرهم ﴿ جَمِيعًا ﴾ حال من ضمير المفعول ﴿ ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ [الأنعام : ٢٢] مع الله غيره توبيخاً، وبالياء فيهما : يعقوب ﴿ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ﴾ [الأنعام : ٢٢] آلهتكم التي جعلتموها شركاء الله ﴿ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام : ٢٢] أي تزعمونهم شركاء فحذف المفعولان ﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُن ﴾ [الأنعام : ٢٣] وبالياء : حمزة وعلي ﴿ فِتْنَتُهُمْ ﴾ كفرهم ﴿ إِلا أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ يعني ثم لم تكن عاقبة كفرهم الذي لزموه أعمارهم وقاتلوا عليه إلا جحوده والتبرؤ منه والحلف على الانتفاء من التدين به، أو ثم لم يكم جوابهم إلا أن قالوا : فسمي فتنة لأنه كذب.
وبرفع الفتنة مكي وشامي وحفص ؛ فمن قرأ
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٩
﴿ تَكُنْ ﴾ بالتاء ورفع الفتنة فقد جعل الفتنة اسم ﴿ تَكُنْ ﴾ و ﴿ أَن قَالُوا ﴾ [العنكبوت : ٢٩] الخبر أي لم تكن فتنتهم إلا قولهم، ومن قرأ بالياء ونصب الفتنة جعل ﴿ أَن قَالُوا ﴾ [العنكبوت : ٢٩] اسم ﴿ يَكُنِ ﴾ أي لم يكن فتنتهم إلا قولهم، ومن قرأ بالتاء ونصب الفتنة حمل على المقالة :﴿ رَبَّنَآ ﴾ حمزة وعلي، على النداء أي ياربنا وغيرهما بالجر على النعت من اسم الله ﴿ أَنظُرْ ﴾ يامحمد ﴿ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ ﴾ [الأنعام : ٢٤] بقولهم ﴿ مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام : ٢٣] قال مجاهد : إذا جمع الله الخلائق ورأى المشركون سعة رحمة الله وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلّم للمؤمنين قال بعضهم لبعض : تعالوا نكتم الشرك لعلنا ننجو مع أهل التوحيد فإذا قال لهم الله : أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون قالوا : والله ربنا ما كنا مشركين، فيختم الله على أفواههم فتشهد عليهم جوارحهم ﴿ وَضَلَّ عَنْهُم ﴾ [فصلت : ٤٨] وغاب عنهم ﴿ مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [آل عمران : ٢٤] إلهيته وشفاعته
١٢
﴿ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ﴾ [محمد : ١٦] حين تتلو القرآن.
روي أنه اجتمع أبو سفيان والوليد والنضر وأضرابهم يستمعون تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا للنضر : ما يقول محمد؟ فقال : والله ما أدري ما يقول محمد ألا إنه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين مثل ما حدثتكم عن القرون الماضية.
فقال أبو سفيان : إني لأراه حقاً فقال أبو جهل : كلا فنزلت ﴿ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ﴾ [الأنعام : ٢٥] أغطية جمع كنان وهو الغطاء مثل عنان وأعنة أن يفقهوه } كراهة أن يفقهوه ﴿ وَفِى ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا ﴾ ثقلا يمنع من السمع، ووحد الوقر لأنه مصدر وهو عطف على ﴿ أَكِنَّةً ﴾ وهو حجة لنا في الأصلح على المعتزلة ﴿ وَإِن يَرَوْا كُلَّ ءَايَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَآءُوكَ يُجَـادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الأنعام : ٢٥] " حتى " هي التي تقع بعدها الجمل، والجملة قوله إذا جاؤك يقول الذين كفروا ويجادلونك في موضع الحال، ويجوز أن تكون جارة ويكون إذا جاؤك في موضع الجر بمعنى حتى وقت مجيئهم ويجادلونك حال ويقول الذين كفروا تفسير له، والمعنى أنه بلغ تكذيبهم الآيات إلى أنهم يجادلونك ويناكرونك، وفسر مجادلتهم بأنهم يقولون ﴿ إِنَّ هَـاذَآ ﴾ [ص : ٢٣] ما القرآن ﴿ إِلا أَسَـاطِيرُ الاوَّلِينَ ﴾ [الأنعام : ٢٥] فيجعلون كلام الله أكاذيب، وواحد الأساطير أسطورة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٩