﴿ إِذْ أَنتُم ﴾ [الانفال : ٤٢] بدل من ﴿ يَوْمَ الْفُرْقَانِ ﴾ [الانفال : ٤١] والتقدير : اذكروا إذ أنتم ﴿ بِالْعُدْوَةِ ﴾ شط الوادي، وبالكسر فيهما : مكي وأبو عمرو ﴿ الدُّنْيَا ﴾ القربى إلى جهة المدينة تأنيث الأدنى ﴿ وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى ﴾ [الانفال : ٤٢] البعدى عن المدينية تأنيث الأقصى، وكلتاهما فعلى من بنات الواو، والقياس قلب الواو ياء كالعليا تأنيث الأعلى، وأما القصوى فكالقود في مجيئه على الأصل ﴿ وَالرَّكْبُ ﴾ أي العير وهو جمع راكب في المعنى ﴿ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾ [الأحزاب : ١٠] نصب على الظرف أي مكاناً أسفل من مكانكم يعني في أسفل الوادي بثلاثة أميال، وهو مرفوع المحل لأنه خبر المبتدأ ﴿ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ ﴾ [الانفال : ٤٢] أنتم وأهل مكة وتواضعتم بينكم على موعد تلتقون فيه للقتال ﴿ اخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَـادِ ﴾ [الانفال : ٤٢] لخالف بعضكم بعضاً فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد، وثبطهم ما في قلوبهم من تهيب رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمسلمين فلم يتفق لكم من التلاقي ما وفقه الله وسبب له ﴿ وَلَـاكِنَّ ﴾ جمع بينكم بلا ميعاد ﴿ لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا ﴾ [الانفال : ٤٢] من إعزاز دينه وإعلاء كلمته، أو اللام تتعلق بمحذوف أي ليقضي الله أمراً كان ينبغي أن يفعل وهو نصر أوليائه وقهر أعدائه دبر ذلك.
قال الشيخ أبو منصور رحمه الله : القضاء يحتمل الحكم أي ليحكم ما قد علم أنه يكون كائناً، أو ليتم أمراً كان قد أراده، وما أراد كونه فهو مفعول لا محالة وهو عز الإسلام وأهله وذل الكفر وحزبه ويتعلق بـ ﴿ يُقْضَى ﴾ ﴿ لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَةٍ ﴾ [الانفال : ٤٢] نافع وأبو عمرو، فالإدغام لالتفاء المثلين، والإظهار لأن حركة الثاني غير لازمة، لأنك تقول في المستقبل " يحيا " والإدغام أكثر.
استعير الهلاك والحياة للكفر والإسلام أي ليصدر كفر من كفر عن وضوح بينة لا عن مخالجة شبهة حتى لا يبقى له على الله حجة، ويصدر إسلام من أسلم أيضاً عن يقين وعلم بأنه دين الحق الذي يجب الدخول فيه والتمسك به، وذلك أن وقعة بدر من الآيات الواضحة التي من كفر بعدها كان مكابراً لنفسه مغالطاً لها، ولهذا ذكر فيها مراكز الفريقين، وأن العير كانت أسفل منهم مع أنهم قد علموا
١٥١
ذلك كله مشاهدة ليعلم الخلق أن النصر والغلبة لا تكون بالكثرة والأسباب بل بالله تعالى، وذلك أن العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء وكانت أرضاً لا بأس بها، ولا ماء بالعدوة الدنيا وهي خبار تسوخ فيها الأرجل ولا يمشي فيها إلا بتعب ومشقة، وكان العيروراء ظهور العدو مع كثرة عددهم وعدتهم وقلة المسلمين وضعفهم ثم كان ما كان ﴿ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ ﴾ [الانفال : ٤٢] لأقوالهم ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بكفر من كفر وعقابه وبإيمان من آمن وثوابه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٤٧
﴿ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ ﴾ [الانفال : ٤٣] نصب بإضمار " اذكر "، أو هو متعلق بقوله ﴿ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الانفال : ٤٢] أي بعلم المصالح إذ يقللهم في عينك ﴿ فِى مَنَامِكَ قَلِيلا ﴾ [الانفال : ٤٣] أي في رؤياك، وذلك أن الله تعالى أراه إياهم في رؤياه قليلاً فأخبر بذلك أصحابه فكان ذلك تشجيعاً لهم على عدوهم ﴿ وَلَوْ أَرَاـاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ ﴾ [الانفال : ٤٣] لجبنتم وهبتم الإقدام ﴿ وَلَتَنَـازَعْتُمْ فِى الامْرِ ﴾ [الانفال : ٤٣] أمر القتال وترددتم بين الثبات والفرار ﴿ وَلَـاكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ ﴾ [الانفال : ٤٣] عصم وأنعم بالسلامة من الفشل والتنازع والاختلاف ﴿ إِنَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الانفال : ٤٣] يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٥٢