﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ ﴾ [الكهف : ١] محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿ الْكِتَـابُ ﴾ القرآن، لقن الله عباده وفقههم كيف يثنون عليه ويحمدونه على أجزل نعمائه عليهم وهي نعمة الإسلام وما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلّم من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم ﴿ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ﴾ [الكهف : ١] أي شيئاً من العرج والعوج في المعاني كالعوج في الأعيان، يقال في رأيه عوج وفي عصاه عوج والمراد نفي الاختلاف والتناقض عن معانيه وخروج شيء منه من الحكمة ﴿ قَيِّمًا ﴾ مستقيماً وانتصابه بمضمر وتقديره، جعله قيما لأنه إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة، وفائدة الجمع بين نفي العوج وإثبات الاستقامة وفي أحدهما غني عن الآخر التأكيد فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج عند التصفح أو قيماً على سائر الكتب مصدقا لها شاهداً بصحتها ﴿ لِّيُنذِرَ ﴾ أنذر متعد إلى مفعولين كقوله :﴿ إِنَّآ أَنذَرْنَـاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا ﴾ [النبأ : ٤٠].
فاقتصر على أحدهما، وأصله لينذر الذين كفروا ﴿ بَأْسًا ﴾ عذاباً ﴿ شَدِيدًا ﴾ وإنما اقتصر على أحد مفعولي أنذر لأن المنذر به هو المسوق إليه فاقتصر عليه ﴿ مِّن لَّدُنْهُ ﴾ [النساء : ٤٠] صادراً من عنده
١١
﴿ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّـالِحَـاتِ أَنَّ لَهُمْ ﴾ [الإسراء : ٩] أي بأن لهم ﴿ أَجْرًا حَسَنًا ﴾ [الكهف : ٢] أي الجنة، ويبشر حمزة وعليَّ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١١
﴿ مَّـاكِثِينَ ﴾ حال من هم في لهم ﴿ فِيهِ ﴾ في الأجر وهو الجنة ﴿ أَبَدًا ﴾ ﴿ وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾ [الكهف : ٤] ذكر المنذرين دون المنذر به بعكس الأول استغناء بتقديم ذكره ﴿ مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ ﴾ [النساء : ١٥٧] أي بالولد أو باتخاذه يعني أن قولهم هذا لم يصدر عن علم ولكن عن جهل مفرط فإن قلت : إتخاذ الله ولداً في نفسه محال فكيف قيل ما لهم به من علم قلت معناه ما لهم به من علم لأنه ليس مما يعلم لاستحالته وانتفاء العلم بالشيء إما للجهل بالطريق الموصل إليه أو لأنه في نفسه محال ﴿ وَلا لابَآ ـاِهِمْ ﴾ [الكهف : ٥] المقلدين ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً ﴾ [الكهف : ٥] نصب على التمييز وفيه معنى التعجب كأنه قيل ما أكبرها كلمة والضمير في كبرت يرجع إلى قولهم اتخذ الله ولداً وسميت كلمة كما يسمعون القصيدة بها ﴿ تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ﴾ [الكهف : ٥] صفة لكلمة تفيد استعظاماً لاجترائهم على النطق بها وإخراجها من أفواههم فإن كثيراً مما يوسوسه الشيطان في قلوب الناس من المنكرات لا يتما لكون أن يتفوهوا به بل يكظمون عليه فكيف بمثل هذا المنكر ﴿ إِن يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا ﴾ [الكهف : ٥] ما يقولون ذلك إلا كذباً هو صفة لمصدر محذوف أي قولاً كذباً ﴿ فَلَعَلَّكَ بَـاخِعٌ نَّفْسَكَ ﴾ [الكهف : ٦] قاتل نفسك ﴿ عَلَى ءَاثَـارِهِمْ ﴾ [الكهف : ٦] أي آثار الكفار شبهه وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به وما تداخله من الأسف على توليهم برجل فارقه أحبته فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجداً عليهم وتلهفا على فراقهم ﴿ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَـاذَا الْحَدِيثِ ﴾ [الكهف : ٦] بالقرآن ﴿ أَسَفًا ﴾ مفعول لهُ أي لفرط الحزن، والأسف المبالغة في الحزن والغضب ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الارْضِ زِينَةً لَّهَا ﴾ [الكهف : ٧] أي ما يصلح أن يكون زينة لها ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها ﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ﴾ [الكهف : ٧] وحسن العمل الزهد فيها وترك الاغترار به
١٢
ثم زهد في الميل إليها بقوله :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٢