فحال ولي العزلة أصفى وأحلى، وحال ولي العشرة أوفى وأعلى، ونزل الأول من الثاني في حضرة الرحمن منزلة النديم من الوزير عند السلطان.
أما النبي عليه الصلاة والسلام فهو كريم الطرفين ومعدن الشذرين ومجمع الحالين ومنبع الزلالين، فباطن أحواله مهتدى ولي العزلة، وظاهر أعماله مقتدى ولي العشرة، والثالث المجاهد المحاسب العامل المطالب بالضرائب كنجوم المكاتب عليه في اليوم والليلة خمس، وفي المائتي درهم خمسة، وفي السنة شهر، وفي العمر زورة، فكأنه اشترى نفسه من ربه بهذه النجوم المرتبة فيسعى في فكاك رقبته خوفاً من البقاء في ربقة العبودية، وطمعاً في فتح باب الحرية ليسرح في رياض الجنة فيتمتع
٢١٢
بمناه ويفعل ما يشاؤه ويهواه.
والرابع الإباق فما أكثرهم فمنهم القاضي الجائر والعالم الغير العامل والعامل المرائي والواعظ الذي لا يفعل ما يقول ويكون أكثر أقواله فضول وعلى كل ما لا ينفعه نصول فضلا عن السارق والزاني والغاصب فعنهم أخبر النبي عليه الصلاة والسلام :" إن الله لينصر هذا الدين بقوم لا خلاق لهم في الآخرة ".
﴿ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَـاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ ﴾ [النور : ٣٣] كان لابن أبيّ ست جوار : معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة، يكرههن على البغاء وضرب عليهن الضرائب، فشكت اثنتان منهن إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فنزلت.
ويكنى بالفتى والفتاة عن العبد والأمة والبغاء الزنا للنساء خاصة وهو مصدر لبغت ﴿ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ﴾ [النور : ٣٣] تعففاً عن الزنا.
وإنما قيده بهذا الشرط لأن الإكراه لا يكون إلا مع إرادة التحصن، فآمر المطيعة للبغاء لا يسمى مكرهاً ولا أمره إكراهاً، ولأنها نزلت على سبب فوقع النهي على تلك الصفة، وفيه توبيخ للموالي أي إذا رغبن في التحصن فأنتم أحق بذلك ﴿ لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا ﴾ [النور : ٣٣] أي لتبتغوا بإكراههن على الزنا أجورهن وأولادهن ﴿ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [النور : ٣٣] أي لهن، وفي مصحف ابن مسعود كذلك وكان الحسن يقول : لهن والله لهن والله.
ولعل الإكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة وهو الذي يخاف منه التلف فكانت آثمة أو لهم إذا تابوا
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١١
﴿ وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ ءَايَـاتٍ مُّبَيِّنَـاتٍ ﴾ [النور : ٣٤] بفتح الياء : حجازي وبصري وأبو بكر وحماد.
والمراد الآيات التي بينت في هذه السورة وأوضحت في معاني الأحكام والحدود، وجاز أن يكون الأصل مبيناً فيها فاتسع في الظرف أي أجري مجرى المفعول به كقوله " ويوم شهدناه " وبكسرها غيرهم أي بينت هي الأحكام والحدود جعل الفعل لها مجازاً أو من بين بمعنى تبين ومنه
٢١٣
المثل.
" قد بين الصبح لذي عينين "
﴿ وَمَثَلا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ ﴾ [النور : ٣٤] ومثلاً من أمثال من قبلكم أي قصة عجيبة من قصصهم كقصة يوسف ومريم يعني قصة عائشة رضي الله عنها ﴿ وَمَوْعِظَةً ﴾ ما وعظ به من الآيات والمثل من نحو قوله تعالى :﴿ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ ﴾ [النور : ٢].
﴿ لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾ [النور : ١٢].
﴿ وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾ [النور : ١٦] ﴿ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا ﴾ [النور : ١٧] ﴿ لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ أي هم المنتفعون بها وإن كانت موعظة للكل.
نظير قوله
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٣


الصفحة التالية
Icon