﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ ﴾ [النور : ٦٢] أي الذي يجمع له الناس نحو الجهاد والتدبير في الحرب وكل اجتماع في الله حتى الجمعة والعيدين ﴿ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَـاْذِنُوهُ ﴾ [النور : ٦٢] أي ويأذن لهم.
ولما أراد الله عز وجل أن يريهم عظم الجناية في ذهاب الذاهب عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلّم بغير إذنه إذا كانوا معه على أمر جامع، جعل ترك ذهابهم حتى يستأذنوه ثالث الإيمان بالله والإيمان برسوله، وجعلهما كالتشبيب له والبساط لذكره.
وذلك مع تصدير الجملة بـ إنما وإيقاعٍ المؤمنين مبتدأ مخبراً عنه بموصول أحاطت صلته بذكر الإيمانين، ثم عقبه بما يزيده توكيداً وتشديداً حيث أعاده على أسلوب آخر وهو قوله
٢٢٩
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَـاْذِنُونَكَ أؤلئك الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [النور : ٦٢] وضمنه شيئاً آخر وهو أنه جعل الاستئذان كالمصداق لصحة الإيمانين وعرض بحال المنافقين وتسللهم لواذاً ﴿ فَإِذَا اسْتَـاْذَنُوكَ ﴾ [النور : ٦٢] في الانصراف ﴿ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ ﴾ [النور : ٦٢] أمرهم ﴿ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ ﴾ [النور : ٦٢] فيه رفع شأنه عليه الصلاة والسلام ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [النور : ٦٢] وذكر الاستغفار للمستأذنين دليل على أن الأفضل أن لا يستأذن.
قالوا : وينبغي أن يكون الناس كذلك مع أئمتهم ومقدميهم في الدين والعلم يظاهرونهم ولا يتفرقون عنهم إلا بإذن، قيل : نزلت يوم الخندق كان المنافقون يرجعون إلى منازلهم من غير استئذان ﴿ لا تَجْعَلُوا دُعَآءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُم بَعْضًا ﴾ [النور : ٦٣] أي إذا احتاج رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى اجتماعكم عنده لأمر فدعاكم فلا تفرقوا عنه إلا بإذنه، ولا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضاً، ورجوعكم عن المجمع بغير إذن الداعي أو لا تجعلوا تسميته ونداءه بينكم كما يسمي بعضكم بعضاً ويناديه باسمه الذي سماه به أبواه، فلا تقولوا يا محمد ولكن يا نبي الله يا رسول الله مع التوقير والتعظيم والصوت المخفوض.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٩
﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ ﴾ [النور : ٦٣] يخرجون قليلاً قليلاً ﴿ مِنكُمْ لِوَاذًا ﴾ [النور : ٦٣] حال أي ملاوذين اللواذ.
والملاوذة هو أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا أي ينسلون عن الجماعة في الخفية على سبيل الملاوذة واستتار بعضهم ببعض ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ﴾ [النور : ٦٣] أي الذين يصدون عن أمره دون المؤمنين وهم المنافقون.
يقال : خالفه إلى الأمر إذا ذهب إليه دونه ومنه :﴿ عَنْهُ ﴾ وخالفه عن الأمر إذا صد عنه دونه.
والضمير في أمره لله سبحانه أو للرسول عليه الصلاة والسلام والمعنى عن طاعته ودينه ومفعول يحذر ﴿ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [النور : ٦٣] محنة في الدنيا أو قتل أو زلازل وأهوال أو تسليط سلطان جائر أو قسوة القلب عن معرفة الرب أو إسباغ النعم استدراجاً ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور : ٦٣] في
٢٣٠
الآخرة.
والآية تدل على أن الأمر للإيجاب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٢٩


الصفحة التالية
Icon