﴿ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ [مريم : ٤٩] يريد المعبودين من الملائكة والمسيح وعزير.
وعن الكلبي يعني الأصنام ينطقها.
وقيل : عام وما يتناول العقلاء وغيرهم لأنه أريد به الوصف كأنه قيل ومعبوديهم ﴿ فَيَقُولُ ﴾ وبالنون شامي ﴿ ءَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى هؤلاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ﴾ [البقرة : ١٤٠-١٧] والقياس ضلوا عن السبيل إلا أنهم تركوا الجار كما تركوه في هداه الطريق والأصل إلى الطريق أو للطريق.
وضل مطاوع أضله والمعنى أأنتم أوقعتموهم في الضلال عن طريق الحق بإدخال الشبه أم هم ضلوا عنه بأنفسهم؟ وإنما لم يقل " أأضللتم عبادي هؤلاء أم ضلوا السبيل " وزيد " أنتم " و " هم " لأن السؤال ليس عن الفعل ووجوده لأنه لولا وجوده لما توجه هذا العتاب، وإنما هو عن متوليه فلا بد من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام ليعلم أنه المسؤول عنه.
وفائدة سؤالهم مع علمه تعالى بالمسؤول عنه أن يجيبوا بما أجابوا به حتى يبكت عبدتهم بتكذيبهم إياهم فتزيد حسرتهم ﴿ قَالُوا سُبْحَـانَكَ ﴾ [سبأ : ٤١] تعجب منهم مما قيل لهم وقصدوا به تنزيهه عن الأنداد وأن يكون له نبي أو ملك أو غيرهما نداً.
ثم قالوا ﴿ مَا كَانَ يَنابَغِى لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ ﴾ [الفرقان : ١٨] أي ما كان يصح لنا ولا يستقيم أن نتولى أحداً دونك فكيف يصح لنا أن نحمل غيرنا على أن يتولونا دونك؟ نتخذ يزيد.
و " اتخذ " يتعدى إلى مفعول واحد نحو " اتخذ ولياً " وإلى مفعولين نحو " اتخذ فلاناً ولياً " قال الله تعالى :﴿ أَمِ اتَّخَذُوا ءَالِهَةً مِّنَ الارْضِ ﴾ [الأنبياء : ٢١].
وقال :﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا ﴾ [النساء : ١٢٥] فالقراءة الأولى من المتعدي لواحد وهو من أولياء والأصل أن تتخذ أولياء وزيدت من التأكيد معنى النفي والقراءة الثانية في المتعدي إلى المفعولين فالمفعول الأول ما بنى له الفعل والثاني من أولياء و " من " للتبعيض أي لا نتخذ بعض أولياء لأن من لا تزاد في المفعول
٢٣٧
الثاني بل في الأول تقول " ما اتخذت من أحد ولياً " ولا تقول " ما اتخذت أحداً من ولي " ﴿ وَلَـاكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَءَابَآءَهُمْ ﴾ [الفرقان : ١٨] بالأموال والأولاد وطول العمر والسلامة من العذاب ﴿ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ ﴾ [الفرقان : ١٨] أي ذكر الله والإيمان به والقرآن والشرائع ﴿ وَكَانُوا ﴾ عند الله ﴿ قَوْمَا بُورًا ﴾ [الفرقان : ١٨] أي هلكى جمع بائر كعائذ وعوذ ثم يقال للكفار بطريق الخطاب عدولاً عن الغيبة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٣٧
﴿ فَقَدْ كَذَّبُوكُم ﴾ [الفرقان : ١٩] وهذه المفاجأة بالاحتجاج والإلزام حسنة رائعة وخاصة إذا انضم إليها الالتفات وحذف القول ونظيرها :﴿ الْمَصِيرُ * يَـا أَهْلَ الْكِتَـابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ ﴾ إلى قوله ﴿ فَقَدْ جَآءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ﴾ [المائدة : ١٩] وقول القائل :
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا
ثم القفول فقد جئنا خراساناً
﴿ بِمَا تَقُولُونَ ﴾ [الفرقان : ١٩] بقولكم فيهم إنهم آلهة، والباء على هذا كقوله :﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ ﴾ [ق : ٥] والجار والمجرور بدل من الضمير كأنه قيل : فقد كذبوا بما تقولون.
وعن قنبل بالياء ومعناه فقد كذبوكم بقولهم : سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء والباء على هذا كقولك " كتبت بالقلم " ﴿ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا ﴾ فما يستطيعون أي فما يستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب أو ينصرونكم.
وبالتاء حفص أي فما تستطيعون أنتم يا كفار صرف العذاب عنكم ولا نصر أنفسكم.
ثم خاطب المكلفين على العموم بقوله ﴿ وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ ﴾ [الفرقان : ١٩] أي يشرك لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه ومن جعل المخلوق شريك خالقه فقد ظلم يؤيده قوله تعالى :﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان : ١٣] ﴿ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان : ١٩] فسر بالخلود في النار وهو يليق بالشرك دون الفاسق إلا على قول المعتزلة والخوارج.
٢٣٨
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٣٨


الصفحة التالية
Icon