﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النمل : ٦٧] أي قريش أو اليهود ﴿ لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً ﴾ [الفرقان : ٣٢] حال من القرآن أي مجتمعاً ﴿ وَاحِدَةً ﴾ يعني هلا أنزل عليه دفعة واحد في وقت واحد كما أنزلت الكتب الثلاثة، وماله أنزل على التفاريق؟ وهو فضول من القول ومماراة بما لا طائل تحته، لأن أمر الإعجاز والاحتجاج به لا يختلف بنزوله جملة واحدة أو متفرقاً.
ونزّل هنا بمعنى أنزل وإلا لكان متدافعاً بدليل جملة واحدة وهذا اعتراض فاسد لأنهم تحدوا بالإتيان بسورة واحدة من أصغر السور فأبرزوا صفحة عجزهم حتى لاذوا بالمناصبة وفزعوا إلى المحاربة وبذلوا المهج وما مالوا إلى الحجج ﴿ كَذَالِكَ ﴾ جواب لهم أي كذلك أنزل مفرقاً في عشرين سنة أو في ثلاث وعشرين و " ذلك " في كذلك إشارة إلى مدلول قوله لولا نزل عليه القرآن جملة لأن معناه لم أنزل عليك القرآن مفرقاً فأعلم أن ذلك ﴿ لِنُثَبِّتَ بِهِ ﴾ [الفرقان : ٣٢] بتفريقه ﴿ فُؤَادَكَ ﴾ حتى تعيه وتحفظه لأن المتلقن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئاً بعد شيء وجزأ عقيب جزء ولو ألقي عليه جملة واحدة لعجز عن حفظه، أو لنثبت به فؤادك عن الضجر بتواتر الوصول وتتابع الرسول لأن قلب المحب يسكن بتواصل كتب المحبوب ﴿ وَرَتَّلْنَـاهُ تَرْتِيلا ﴾ [الفرقان : ٣٢] معطوف على الفعل الذي تعلق به كذلك كأنه قال : كذلك فرقناه ورتلناه أي قدرناه آية بعد آية ووقفة بعد وقفة، أو أمرنا بترتيل قراءته وذلك قوله تعالى :﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلا ﴾ [المزمل : ٤] أي اقرأه بترسل وتثبت أو بيناه تبييناً، والترتيل التبيين في ترسل وتثبت.
﴿ وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ ﴾ [الفرقان : ٣٣] بسؤال عجيب من سؤالاتهم الباطلة كأنه مثل في البطلان ﴿ إِلا جِئْنَـاكَ بِالْحَقِّ ﴾ [الفرقان : ٣٣] إلا أتيناك بالجواب الحق الذي لا محيد عنه ﴿ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ [الفرقان : ٣٣] وبما هو أحسن معنى ومؤدى من مثله أي من سؤالهم.
وإنما حذف من مثلهم لأن في الكلام دليلاً عليه كما لو قلت " رأيت زيداً وعمراً وإن عمرو أحسن
٢٤٣
وجهاً " كان فيه دليل على أنك تريد من زيد.
ولما كان التفسير هو التكشيف عما يدل عليه الكلام وضع موضع معناه فقالوا : تفسير هذا الكلام كيت وكيت كما قيل : معناه كذا وكذل.
أو لا يأتونك بحال وصفة عجيبة يقولون هلا أنزل عليك القرآن جملة إلا أعطيناك من الأحوال ما يحق لك في حكمتنا أن تعطاه وما هو أحسن تكشيفاً لما بعثت عليه ودلالة على صحته يعني أن تنزيله مفرقاً وتحديثهم بأن يأتوا ببعض تلك التفاريق كلما نزل شيء منها، أدخل في الإعجاز من أن ينزل كله جملة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤٣
﴿ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أؤلئك شَرٌّ ﴾ [الفرقان : ٣٤] الذين مبتدأ وأولئك مبتدأ ثان وشر خبر أولئك وأولئك مع شر خبر الذين أو التقدير : هم الذين أو أعني الذين و ﴿ أؤلئك ﴾ مستأنف ﴿ مَكَانًا ﴾ أي مكانة ومنزلة أو مسكناً ومنزلاً ﴿ وَأَضَلُّ سَبِيلا ﴾ [الإسراء : ٧٢] أي وأخطأ طريقاً، وهو من الإسناد المجازي.
والمعنى إن حاملكم على هذه السؤالات أنكم تضلون سبيله وتحتقرون مكانه ومنزلته، ولو نظرتم بعين الإنصاف وأنتم من المسحوبين على وجوههم إلى جهنم لعلمتم أن مكانكم شر من مكانه وسبيلكم أضل من سبيله، وفي طريقته قوله ﴿ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَالِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ ﴾ [المائدة : ٦٠] الآية.
وعن النبي صلى الله عليه وسلّم " يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف : صنف على الدواب وصنف على أرجلهم وصنف على وجوههم " قيل : يا رسول الله، كيف يمشون على وجوههم؟ فقال عليه الصلاة والسلام " الذي أمشاكم على أقداكم يمشيهم على وجوههم ".


الصفحة التالية
Icon