جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦
﴿ وَكَذَالِكَ بَعَثْنَـاهُمْ ﴾ [الكهف : ١٩] وكان أنمناهم تلك النومة كذلك أيقظناهم إظهاراً للقدرة على الإنامة والبعث جميعاً ﴿ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ ﴾ [الكهف : ١٩] ليسأل بعضهم بعضاً ويتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم فيعتبروا ويستدلوا على عظم قدرة الله ويزدادوا يقيناً ويشكروا ما أنعم الله به عليهم ﴿ قَالَ قَآ ـاِلٌ مِّنْهُمْ ﴾ [الصافات : ٥١] رئيسهم ﴿ كَمْ لَبِثْتُمْ ﴾ [المؤمنون : ١١٢] كم مدة لبثكم ﴿ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [الكهف : ١٩] جواب مبنى على غالب الظن وفيه دليل على جواز الاجتهاد والقول بالظن الغالب ﴿ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ﴾ [الكهف : ١٩] بمدة لبثكم إنكار عليهم من بعضهم كأنهم قد علموا بالأدلة أو بإلهام أن المدة متطاولة وأن مقدارها لا يعلمه إلا الله وروى أنهم دخلوا الكهف غدوة وكان انتباههم بعد الزوال فظنوا أنهم في يومهم فلما نظروا إلى طول أظفارهم وأشعارهم قالوا ذلك : وقد استدل ابن عباس رضي الله عنهما على أن الصحيح عددهم سبعة لأنه قد قال في الآية قال : قائل منهم كم لبثتم وهذا واحد وقالوا في جوابه لبثنا يوماً أو بعض يوم وهو جمع وأقله ثلاثة ثم قال ربكم : أعلم بما لبثتم وهذا قول جمع آخرين فصاروا سبعة ﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم ﴾ [الكهف : ١٩] كأنهم قالوا ربكم أعلم بذلك لا طريق لكم إلى علمه فخذوا في شيء آخر مما يهمكم فابعثوا أحدكم أي يمليخا ﴿ بِوَرِقِكُمْ ﴾ هي الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة وبسكون الراء أبو عمرو وحمزة وأبو بكر ﴿ هَـاذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ﴾ [الكهف : ١٩] هي طرسوس وحملهم الورق عند فرارهم دليل على أن حمل النفقة وما يصلح للمسافر هو رأي المتوكلين على الله دون المتكلين على الاتفاقات وعلى ما في أوعية القوم من النفقات وعن بعض العلماء أنه كان شديد الحنين إلى بيت الله ويقول ما لهذا السفر إلا شيئان شد الهميان والتوكل
١٧
على الرحمن ﴿ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَآ ﴾ [الكهف : ١٩] أي أهلها فخذف كما في واسئل القرية وأي مبتدأ وخبره ﴿ أَزْكَى ﴾ أحل وأطيب أو أكثر وأرخص ﴿ طَعَامًا ﴾ تمييز ﴿ فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ ﴾ [الكهف : ١٩] وليتكلف اللطف فيما يباشره من أمر المبايعة حتى لا يغبن أو في أمر التخفي حتى لا يعرف ﴿ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ﴾ [الكهف : ١٩] ولا يفعلن ما يؤدي إلى الشعور بنا من غير قصد منه فسمى ذلك إشعاراً منه بهم لأنه سبب فيه
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧
والضمير في ﴿ إِنَّهُمْ ﴾ راجع إلى الأهل المقدر في أيها ﴿ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ ﴾ [الكهف : ٢٠] يطلعوا عليكم ﴿ يَرْجُمُوكُمْ ﴾ يقتلوكم أخبث القتلة ﴿ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ ﴾ [الكهف : ٢٠] بالإكراه، والعود بمعنى الصيرورة كثير في كلامهم ﴿ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ [الكهف : ٢٠] إذاً يدل على الشرط أي ولن تفلحوا إن دخلتم في دينهم أبداً ﴿ وَكَذَالِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ [الكهف : ٢١] وكما أنمناهم وبعثناهم لما في ذلك من الحكمة أطلعنا عليهم ﴿ لِيَعْلَمُوا ﴾ أي الذين أطلعناهم على حالهم ﴿ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ [غافر : ٧٧] وهو البعث ﴿ حَقٌّ ﴾ كائن لأن حالهم في نومهم وانتباههم بعدها كحال من يموت ثم يبعث ﴿ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَآ ﴾ [الكهف : ٢١] فإنهم يستدلون بأمرهم على صحة البعث ﴿ إِذْ يَتَنَـازَعُونَ ﴾ [الكهف : ٢١] متعلق بأعثرنا أي أعثرناهم عليهم حين يتنازع أهل ذلك الزمان ﴿ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ﴾ [الكهف : ٢١] أمر دينهم ويختلفون في حقيقة البعث فكان بعضهم يقول تبعث الأرواح دون الأجساد وبعضهم يقول تبعث الأجساد مع الأرواح ليرتفع الخلاف وليتبين أن الأجساد تبعث حية حساسة فيها أرواحها كما كانت قبل الموت ﴿ فَقَالُوا ﴾ حين توفى الله أصحاب الكهف ﴿ ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَـانًا ﴾ [الكهف : ٢١] أي على باب كهفهم لئلا يتطرق إليهم الناس ضناً بتربتهم ومحافظة عليها كما حفظت تربة رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالحظيرة
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٨


الصفحة التالية
Icon