﴿ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً ﴾ [الشعراء : ١٠٢] رجعة إلى الدنيا ﴿ فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء : ١٠٢] وجواب " لو " محذوف وهو لفعلنا كيت وكيت، أو لو في مثل هذا بمعنى التمني كأنه قيل : فليت لنا كرة.
لما بين معنى " لو " و " ليت " من التلاقي ﴿ إِنَّ فِى ذَالِكَ ﴾ [السجدة : ٢٦] فيما ذكر من الأنباء ﴿ لايَةً ﴾ أي لعبرة لمن اعتبر ﴿ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء : ٨] فيه أن فريقاً منهم آمنوا ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ [الشعراء : ٩] المنتقم ممن كذب إبراهيم بنار الجحيم ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ المسلم كل ذي قلب سليم إلى جنة النعيم.
﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الشعراء : ١٠٥] القوم يذكر ويؤنث.
قيل : ولد نوح في زمن آدم عليه السلام ونظير قوله المرسلين والمراد نوح عليه السلام قولك " فلان يركب الدواب ويلبس البرود " وماله إلا دابة أو برد، أو كانوا ينكرون بعث الرسل أصلاً فلذا جمع، أو لأن من كذب واحداً منهم فقد كذب الكل لأن كل رسول يدعو الناس إلى الإيمان بجميع الرسل وكذا جميع ما في هذه السورة ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ ﴾ [الشعراء : ١٤٢] نسباً لا ديناً ﴿ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ ﴾ [الشعراء : ١٠٦] خالق الأنام فتتركوا عبادة الأصنام ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ [الشعراء : ١٠٧] كان مشهوراً بالأمانة فيهم كمحمد عليه الصلاة والسلام في قريش.
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ فيما آمركم به وأدعوكم إليه من الحق ﴿ وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْـاَلُكُمْ عَلَيْهِ ﴾ [الشعراء : ١٠٩] على هذا الأمر ﴿ مِنْ أَجْرٍ ﴾ [الفرقان : ٥٧] جزاء ﴿ إِنْ أَجْرِىَ ﴾ [يونس : ٧٢] بالفتح مدني وشامي وأبو عمرو وحفص ﴿ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [الشعراء : ١٠٩] لذلك أريده ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [آل عمران : ٥٠] كرره ليقرره في نفوسهم مع تعليق كل واحد
٢٧٧
منهما بعلة، فعلة الأول كونه أميناً فيهما بينهم، وعلة الثاني حسم طمعه منهم كأنه قال : إذا عرفتم رسالتي وأمانتي فاتقوا الله، ثم إذا عرفتم احترازي من الأجر فاتقوا الله.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٧
﴿ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ ﴾ [الشعراء : ١١١] الواو للحال و " قد " مضمرة بعدها دليله قراءة يعقوب جمع تابع كشاهد وأشهاد أو تبع كبطل وأبطال ﴿ وَاتَّبَعَكَ الارْذَلُونَ ﴾ [الشعراء : ١١١] السّفلة والرذالة الخسة والدناءة.
وإنما استرذلوهم لاتضاع نسبهم وقلة نصيبهم من الدنيا.
وقيل : كانوا من أهل الصناعات الدنيئة والصناعة لا تزري بالديانة فالغني غني الدين والنسب نسب التقوى، ولا يجوز أن يسمى المؤمن رذلاً وإن كان أفقر الناس وأوضعهم نسباً وما زالت أتباع الأنبياء كذلك ﴿ قَالَ وَمَا عِلْمِى ﴾ [الشعراء : ١١٢] وأي شيء أعلم ﴿ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام : ١٠٨] من الصناعات إنما أطلب منهم الايمان.
وقيل : إنهم طعنوا مع استرذالهم في إيمانهم وقالوا : إن الذين آمنوا بك ليس في قلوبهم ما يظهرونه فقال : ما علي إلا اعتبار الظواهر دون التفتيش عن السرائر ﴿ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّى لَوْ تَشْعُرُونَ ﴾ [الشعراء : ١١٣] أن الله يحاسبهم على ما في قلوبهم ﴿ وَمَآ أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء : ١١٤] أي ليس من شأني أن أتبع شهواتكم بطرد المؤمنين طمعاً في إيمانكم ﴿ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ [الشعراء : ١١٥] ما علي إلا أن أنذركم إنذاراً بيناً بالبرهان الصحيح الذي يتميز به الحق من الباطل ثم أنتم أعلم بشأنكم ﴿ قَالُوا لَـاـاِن لَّمْ تَنْتَهِ يَـانُوحُ ﴾ عما تقول ﴿ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ﴾ [الشعراء : ١١٦] من المقتولين بالحجارة ﴿ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ ﴾ [الشعراء : ١١٧] ليس هذا إخباراً بالتكذيب لعلمه أن عالم الغيب والشهادة أعلم ولكنه أراد أنهم كذبوني في وحيك ورسالتك
٢٧٨
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٨