حملته وأهله، وأن نعمة العلم من أجلّ النعم، وأن من أوتيه فقد أوتي فضلاً على كثير من عباده، وما سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ورثة الأنبياء إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة لأنهم القوام بما بعثوا من أجله، وفيها أنه يلزمهم لهذه النعمة الفاضلة أن يحمدوا الله على ما أوتوه، وإن يعتقد العالم أنه إن فضل على كثير فقد فضل عليهم مثلهم، وما أحسن قول عمر رضي الله عنه : كل الناس أفقه من عمر رضي الله عنه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٩
﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَـانُ دَاوُادَ ﴾ ورث منه النبوة والملك دون سائر بنيه وكانوا تسعة عشر قالوا : أوتي النبوة مثل أبيه فكأنه ورثه وإلا فالنبوة لا تورث ﴿ وَقَالَ يَـا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ ﴾ تشهيراً لنعمة الله تعالى واعترافاً بمكانها ودعاء للناس إلى التصديق بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير.
والمنطق كل ما يصوت به من المفرد والمؤلف المفيد وغير المفيد، وكان سليمان عليه السلام يفهم منها كما يفهم بعضها من بعض.
روي أنه صاحب فاختة فأخبر أنها تقول : ليت ذا الخلق لم يخلقوا، وصاح طاوس فقال : يقول : كما تدين تدان، وصاح هدهد فقال : يقول : استغفروا الله يا مذنبين، وصاح خطاف فقال : يقول : قدموا خيراً تجدوه.
وصاحت رحمة فقال : تقول : سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه.
وصاح قمري فأخبر أنه يقول : سبحان ربي الأعلى وقال : الحدأة تقول كل شيء هالك إلا الله والقطاة تقول من سكت سلم والديك يقول اذكروا الله ياغافلون والنسر يقول يابن آدم عش ما شئت آخرك الموت والعقاب يقول في البعد من الناس أنس.
والضفدع يقول : سبحان ربي القدوس ﴿ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَىْءٍ ﴾ [النمل : ١٦] المراد به كثرة ما أوتي كما تقول فلان يعلم كل شيء ومثله وأوتيت من كل
٣٠٠
شيء ﴿ إِنَّ هَـاذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ﴾ [النمل : ١٦] قوله وارد على سبيل الشكر كقوله عليه السلام :" أنا سيد ولد آدم ولا فخر " أي أقول هذا القول شكراً ولا أقوله فخراً، والنون في علمنا وأوتينا نون الواحد المطاع وكان ملكاً مطاعاً فكلم أهل طاعته على الحال التي كان عليها وليس التكبر من لوازم ذلك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠٠
﴿ وَحُشِرَ ﴾ وجمع ﴿ لِسُلَيْمَـانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالانسِ وَالطَّيْرِ ﴾ [النمل : ١٧] روي أن معسكره كان مائة فرسخ في مائة فرسخ، خمسة وعشرون للجن، وخمسة وعشرون للإنس، وخمسة وعشرون للطير، وخمسة وعشرون للوحش، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلثمائة منكوحة وسبعمائة سرية، وقد نسجت له الجن بساطاً من ذهب وابريسم فرسخاً في فرسخ، وكان يوضع منبره في وسطه وهو من ذهب وفضة فيقعد وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة فيقعد وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة، فيقعد الأنبياء على كراسي الذهب والعلماء على كراسي الفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين، وتظله الطير بأجنحتها حتى لا يقع عليه حر الشمس، وترفع ريح الصبا البساط فتسير به مسيرة شهر.
ويروى أنه كان يأمر الريح العاصف تحمله ويأمر الرخاء تسيره فأوحى الله تعالى إليه وهو يسير بين السماء والأرض إني قد زدت في ملكك أن لا يتكلم أحد بشيء إلا ألقته الريح في سمعك، فيحكى أنه مر بحراث فقال : لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً فألقته الريح في أذنه فنزل ومشي إلى الحراث وقال : إني جئت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه ثم قال : لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى خير مما أوتي ال داود ﴿ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ [النمل : ١٧] يحبس أولهم على آخرهم أي يوقف سلاف العسكر حتى يلحقهم التوالي ليكونوا مجتمعين وذلك للكثرة العظيمة.
والوزع : المنع، ومنه قول عثمان رضي الله عنه :" ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن ".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠١
﴿ حَتَّى إِذَآ أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ ﴾ [النمل : ١٨] أي ساروا حتى إذا بلغوا وادي النمل وهو
٣٠١


الصفحة التالية
Icon