﴿ وَإِنَّهُ ﴾ وإن القرآن ﴿ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النمل : ٧٧] لمن أنصف منهم وآمن أي من بني إسرائيل أو منهم ومن غيرهم ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم ﴾ [النمل : ٧٨] بين من آمن بالقرآن ومن كفر به ﴿ بِحُكْمِهِ ﴾ بعدله لأنه لا يقضي إلا بالعدل فسمى المحكوم به حكماً، أو بحكمته ويدل عليه قراءة من قرأ بحكمه جمع حكمة ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ [إبراهيم : ٤] فلا يرد قضاؤه ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بمن يقضي له وبمن يقضي عليه أو العزيز في انتقامه من المبطلين العليم بالفصل بينهم وبين المحقين.
﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران : ١٥٩] أمره بالتوكل على الله وقلة المبالاة بأعداء الدين ﴿ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾ [النمل : ٧٩] وعلل التوكل بأنه على الحق الأبلج وهو الدين الواضح الذي لا يتعلق به شك، وفيه بيان أن صاحب الحق حقيق بالوثوق بالله وبنصرته ﴿ إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَآ أَنتَ بِهَـادِى الْعُمْىِ عَن ضَلَـالَتِهِمْ ﴾ لما كانوا لا يعون ما يسمعون ولا به ينتفعون، شبهوا بالموتى وهم أحياء صحاح الحواس، وبالصم الذين ينعق بهم فلا يسمعون، وبالعمي حيث يضلون الطريق ولا يقدر أحد أن ينزع ذلك عنهم ويجعلهم هداة بصراء إلا الله تعالى.
ثم أكد حال الصم بقوله إذا ولوا مدبرين لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن تولى عنه مدبراً كان أبعد عن إدراك صوته، ولا يسمع الصّمّ مكي وكذا " في الروم " ﴿ وَمَآ أَنتَ بِهَـادِى الْعُمْىِ ﴾ وكذا في " الروم " : حمزة ﴿ وَمَآ أَنتَ بِهَـادِى الْعُمْىِ عَن ضَلَـالَتِهِمْ ﴾ [النمل : ٨١] أي ما يجدي إسماعك إلا على الذين علم الله أنهم يؤمنون بآياته أي يصدقون بها ﴿ فَهُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [النمل : ٨١] مخلصون من قوله ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ﴾ [البقرة : ١١٢] يعني جعله سالماً لله خالصاً له.
٣٢٢
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٢
﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ﴾ [النمل : ٨٢] سمى معنى القول ومؤداه بالقول وهو ما وعدوا من قيام الساعة والعذاب، ووقوعه حصوله والمراد مشارفة الساعة وظهور أشراطها وحين لا تنفع التوبة ﴿ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ الارْضِ تُكَلِّمُهُمْ ﴾ [النمل : ٨٢] هي الجساسة، في الحديث : طولها ستون ذراعاً لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب، ولها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان.
وقيل : لها رأس ثور وعين خنزير وأذن فيل وقرن أيّل وعنق نعامة وصدر أسد ولون نمر وخاصرة هرة وذنب كبش وخف بعير، وما بين المفصلين اثنا عشر ذراعاً تخرج من الصفا فتكلمهم بالعربية فتقول ﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ ﴾ [النمل : ٨٢] أي لا يوقنون بخروجي لأن خروجها من الآيات وتقول : ألا لعنة الله على الظالمين.
أو تكلمهم ببطلان الأديان كلها سوى دين الإسلام، أو بأن هذا مؤمن وهذا كافر.
وفتح أن كوفي وسهل على حذف الجار أي تكلمهم بأن، وغيرهم كسروا لأن الكلام بمعنى القول، أو بإضمار القول أي تقول الدابة ذلك ويكون المعنى بآيات ربنا أو حكاية لقول الله تعالى عند ذلك.
ثم ذكر قيام الساعة فقال ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ﴾ [النمل : ٨٣] " من " للتبعيض أي واذكر يوم نجمع من كل أمة من الأمم زمرة ﴿ مِّمَّن يُكَذِّبُ ﴾ [النمل : ٨٣] " من " للتبيين ﴿ بِـاَايَـاتِنَا ﴾ المنزلة على أنبيائنا ﴿ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ [النمل : ١٧] يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا ثم يساقون إلى موضع الحساب وهذه عبارة عن كثرة العدد، وكذا الفوج عبارة عن الجماعة الكثيرة ﴿ حَتَّى إِذَآ ﴾ حضروا موقف الحساب والسؤال ﴿ وَلَتَنصُرُنَّهُا قَالَ ﴾ [آل عمران : ٨١] لهم تعالى تهديداً ﴿ حَتَّى إِذَآ ﴾ [النمل : ٨٤] المنزلة على رسلي ﴿ وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا ﴾ [النمل : ٨٤] الواو للحال كأنه قال : أكذبتم بآياتي بادىء الرأي من غير فكر ولا نظر يؤدي إلى إحاطة العلم بكنهها وأنها حقيقة بالتصديق أو بالتكذيب ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ حيث لم تتفكروا فيها فإنكم لم تخلقوا عبثا
٣٢٣
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٣