﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم ﴾ [الكهف : ٢٨] واحبسها معهم وثبتها ﴿ بِالْغَدَواةِ وَالْعَشِىِّ ﴾ [الأنعام : ٥٢] دائبين على الدعاء في كل وقت أو بالغداة لطلب التوفيق والتيسير والعشى لطلب عفو التقصير أوهما صلاة الفجر والعصر.
بالغُدوة شامي ﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الأنعام : ٥٢] رضا الله ﴿ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾ [الكهف : ٢٨] ولا تجاوز، عداه إذا جاوزه وعدى بعن لتضمن عدا معنى نبا في قولك نبت عنه عينه وفائدة التضمين إعطاء مجموع معنيين وذلك أقوى من إعطاء معنى فذ ﴿ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف : ٢٨] في موضع الحال ﴿ وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ﴾ [الكهف : ٢٨] من جعلنا قلبه غافلاً عن الذكر وهو دليل لنا على أنه تعالى خالق أفعال العباد ﴿ وَاتَّبَعَ هَوَاـاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف : ٢٨] مجاوزاً عن الحق ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ﴾ [الكهف : ٢٩] أي الإسلام أو القرآن، والحق خبر مبتدأ محذوف أي هو ﴿ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف : ٢٩] أي جاء الحق وزاحت العلل فلم يبق إلا اختياركم لأنفسكم ما شئتم من الأخذ في طريق النجاة أو في طريق الهلاك وجيء بلفظ الأمر والتخيير لأنه لما مكن من اختيار أيهما شاء فكأنه مخير مأمور بأن يتخير ماشاء من النجدين ثم ذكر جزاء من اختار الكفر فقال :﴿ إِنَّآ أَعْتَدْنَا ﴾ [الكهف : ١٠٢] هيأنا ﴿ لِلظَّـالِمِينَ ﴾ للكافرين فقيد بالسياق كما تركت حقيقة الأمر والتخيير بالسياق وهو قوله إنا أعتدنا للظالمين ﴿ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ [الكهف : ٢٩] شبه ما يحيط بها من النار بالسرادق وهي الحجرة التي تكون حول الفسطاط أو هو دخان يحيط بالكفار قبل دخولهم النار أو هو حائط من
٢٣
نار يطيف بهم ﴿ وَإِن يَسْتَغِيثُوا ﴾ [الكهف : ٢٩] من العطش ﴿ يُغَاثُوا بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ ﴾ [الكهف : ٢٩] هو دردي الزيت أو ما أذيب من جواهر الأرض وفيه تهكم بهم ﴿ يَشْوِى الْوُجُوهَ ﴾ [الكهف : ٢٩] إذا قدم ليشرب انشوى الوجوه من حرارته ﴿ بِئْسَ الشَّرَابُ ﴾ [الكهف : ٢٩] ذلك ﴿ وَسَآءَتْ ﴾ النار ﴿ مُرْتَفَقًا ﴾ متكأ من الرفق وهذه لمشاكلة قوله : وحسنت مرتفقا وإلا فلا ارتفاق لأهل النار وبين جزاء من اختار الإيمان فقال :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٣
﴿ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا * أؤلئك لَهُمْ جَنَّـاتُ عَدْنٍ ﴾ كلام مستأنف بيان للأجر المبهم ولك أن تجعل إنَّا لا نضيع وأولئك خبرين معاً والمراد من أحسن منهم عملاً كقولك السمن منوان بدرهم أو لأن من أحسن عملاً والذين آمنوا وعملوا الصالحات ينتظمهما معنى واحد فأقام من أحسن مقام الضمير ﴿ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الانْهَـارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ ﴾ [الكهف : ٣١] من للإبتداء وتنكير أساور وهي جمع أسورة التي هي جمع سوار لإبهام أمرها في الحسن ﴿ مِن ذَهَبٍ ﴾ [الزخرف : ٥٣] من للتبيين ﴿ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ ﴾ [الكهف : ٣١] ما رَقَّ من الديباج ﴿ وَإِسْتَبْرَقٍ ﴾ ما غلظ منه أي يجمعون بين النوعين ﴿ مُّتَّكِـاِينَ فِيهَا عَلَى الارَآ ـاِكِ ﴾ [الإنسان : ١٣] خص الاتكاء لأنه هيئة المتنعمين والملوك على أسرتهم ﴿ نِعْمَ الثَّوَابُ ﴾ [الكهف : ٣١] الجنة ﴿ وَحَسُنَتْ ﴾ الجنة والأرائك ﴿ مُرْتَفَقًا ﴾ متكأ ﴿ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا رَّجُلَيْنِ ﴾ [الكهف : ٣٢] ومثل حال الكافرين والمؤمنين بحال رجلين وكانا أخوين في بني إسرائيل أحدهما كافر اسمه قطروس والآخر مؤمن اسمه يهوذا وقيل هما المذكوران في والصافات في قوله : قال قائل منهم إني كان لي قرين ورثاً
٢٤


الصفحة التالية
Icon