أي ليس لهم أن يختاروا على الله شيئاً ما وله الخيرة عليهم.
ولم يدخل العاطف في ما كان لهم الخيرة لأنه بيان لقوله ويختار إذ المعنى أن الخيرة لله وهو أعلم بوجوه الحكمة في أفعاله فليس لأحد من خلقه أن يختار عليه.
ومن وصل على معنى ويختار الذي لهم فيه الخيرة فقد أبعد بل " ما " لنفي اختيار الخلق تقريراً لاختيار الحق، ومن قال : ومعناه ويختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح فهو مائل إلى الاعتزال.
والخيرة من التخير يستعمل بمعنى المصدر وهو التخير وبمعنى المتخير كقولهم " محمد خيرة الله من خلقه " ﴿ سُبْحَـانَ اللَّهِ وَتَعَـالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [القصص : ٦٨] أي الله بريء من إشراكهم وهو منزه عن أن يكون لأحد عليه اختيار
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥١
﴿ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ ﴾ [القصص : ٦٩] تضمر ﴿ صُدُورُهُمْ ﴾ من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وحسده ﴿ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [البقرة : ٧٧] من مطاعنهم فيه وقولهم هلا اختير عليه غيره في النبوة ﴿ وَهُوَ اللَّهُ ﴾ [الأنعام : ٣] وهو المستأثر بالإلهية المختص بها ﴿ لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ ﴾ [البقرة : ٢٥٥] تقرير لذلك كقولك " القبلة الكعبة لا قبلة إلا هي ".
﴿ لَهُ الْحَمْدُ فِى الاولَى ﴾ [القصص : ٧٠] الدنيا ﴿ وَالاخِرَةِ ﴾ هو قولهم ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾ [فاطر : ٣٤] ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ ﴾ [الزمر : ٧٤] ﴿ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [الزمر : ٧٥].
والتحميد ثمة على وجه اللذة لا الكلفة ﴿ وَلَهُ الْحُكْمُ ﴾ [القصص : ٧٠] القضاء بين عباده ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة : ٢٤٥] بالبعث والنشور.
وبفتح التاء وكسر الجيم : يعقوب.
﴿ قُلْ أَرَءَيْتُمْ ﴾ [يونس : ٥٠] أريتم محذوف الهمزة : علي ﴿ قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ ﴾ [القصص : ٧١] هو مفعول ثان لـ جعل أي دائماً من السرد وهو المتابعة ومنه قولهم في الأشهر الحرم " ثلاثة سرد وواحد فرد " والميم مزيدة ووزنه فعمل ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ مَنْ إِلَـاهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَآءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ ﴾ [القصص : ٧١] والمعنى أخبروني من يقدر على هذا
٣٥٢
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥٢
﴿ قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ مَنْ إِلَـاهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ ﴾ [القصص : ٧٢] ولم يقل بنهار تتصرفون فيه كما قال ﴿ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ﴾ [القصص : ٧٢] بل ذكر الضياء وهو ضوء الشمس لأن المنافع التي تتعلق به متكاثرة ليس التصرف في المعاش وحده، والظلام ليس بتلك المنزلة ومن ثم قرن بالضياء أفلا تسمعون لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر من ذكر منافعه ووصف فوائده، وقرن بالليل أفلا تبصرون لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون ونحوه ﴿ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبتَغُوا مِن فَضْلِهِ ﴾ [القصص : ٧٣] أي لتسكنوا بالليل ولتبتغوا من فضل الله في النهار فيكون من باب اللف والنشر ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة : ١٨٥] الله على نعمه.
وقال الزجاج : يجوز أن يكون معناه لتسكنوا فيهما ولتبتغوا من فضل الله فيهما، ويكون المعنى جعل لكم الزمان ليلاً ونهاراً لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله فيه.
﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآءِىَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [القصص : ٦٢] كرر التوبيخ لاتخاذ الشركاء ليؤذن أن لا شيء أجلب لغضب الله من الإشراك به كما لا شيء أدخل في مرضاته من توحيده ﴿ وَنَزَعْنَا ﴾ وأخرجنا ﴿ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ﴾ [النحل : ٨٤] يعني نبيهم لأن الأنبياء للأمم شهداء عليهم يشهدون بما كانوا عليه ﴿ فَقُلْنَا ﴾ للأمم ﴿ هَاتُوا بُرْهَـانَكُمْ ﴾ [البقرة : ١١١] فيما كنتم عليه من الشرك ومخالفة الرسل ﴿ فَعَلِمُوا ﴾ حينئذ ﴿ أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ ﴾ [القصص : ٧٥] التوحيد ﴿ وَضَلَّ عَنْهُم ﴾ [فصلت : ٤٨] وغاب عنهم غيبة الشيء الضائع ﴿ مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [آل عمران : ٢٤] من ألوهية غير الله والشفاعة لهم.
٣٥٣
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥٣