﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ ﴾ [العنكبوت : ١٣] أي أثقال أنفسهم يعني أوزارهم بسبب كفرهم ﴿ وَأَثْقَالا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ [العنكبوت : ١٣] أي أثقالاً أخر غير الخطايا التي ضمنوا للمؤمنين حملها وهي أثقال الذين كانوا سبباً في ضلالهم وهو كما قال ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَـامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [النحل : ٢٥] ﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْـاَلُنَّ ﴾ [العنكبوت : ١٣] يختلقون من الأكاذيب والأباطيل.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا ﴾ [العنكبوت : ١٤] كان عمره ألفاً وخمسين سنة ؛ بعث على رأس أربعين ولبث في قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان ستين.
وعن وهب أنه عاش ألفاً وأربعمائة سنة فقال له ملك الموت : يا أطول الأنبياء عمراً كيف وجدت الدنيا؟ قال : كدار لها بابان دخلت وخرجت.
ولم يقل تسعمائة وخمسين سنة لأنه لو قيل كذلك لجاز أن يتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره وهذا التوهم زائل هنا فكأنه قيل : تسعمائة وخمسين سنة كاملة وافية العدد إلا أن ذلك أخصر وأعذب لفظاً وأملأ بالفائدة، ولأن القصة سيقت
٣٦٤
لذكر لما ابتلي به نوح عليه السلام من أمته وما كابده من طول المصابرة تسلية لنبينا عليه السلام فكان ذكر الألف أفخم وأوصل إلى الغرض.
وجيء بالمميز أولاً بالسنة ثم بالعام، لأن تكرار لفظ واحد في كلام واحد حقيق بالاجتناب في البلاغة ﴿ فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ ﴾ [العنكبوت : ١٤] هو ما أطاف وأحاط بكثرة وغلبة من سيل أو ظلام ليل أو نحوهما ﴿ وَهُمْ ظَـالِمُونَ ﴾ [النحل : ١١٣] أنفسهم بالكفر
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٤
﴿ فَأَنجَيْنَـاهُ ﴾ أي نوحاً ﴿ وَأَصْحَـابَ السَّفِينَةِ ﴾ [العنكبوت : ١٥] وكانوا ثمانية وسبعين نفساً نصفهم ذكور ونصفهم إناث منهم أولاد نوح سام وحام ويافث ونساؤهم ﴿ وَجَعَلْنَـاهَآ ﴾ أي السفينة أو الحادثة أو القصة ﴿ ءَايَةَ ﴾ عبرة وعظة ﴿ لِّلْعَـالَمِينَ ﴾ يتعظون بها.
﴿ وَإِبْرَاهِيمَ ﴾ نصب بإضمار اذكر وأبدل عنه ﴿ إِذْ قَالَ ﴾ [البقرة : ٢٥٨] بدل اشتمال لأن الأحيان تشتمل على ما فيها، أو معطوف على نوح أي وأرسلنا إبراهيم، أو ظرف لـ أرسلنا يعني أرسلناه حين بلغ من السن، أو العلم مبلغاً صلح فيه لأن يعظ قومه ويأمرهم بالعبادة والتقوى.
وقرأ إبراهيم النخعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما : وإبراهيم بالرفع على معنى " ومن المرسلين إبراهيم " ﴿ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ [العنكبوت : ١٦] من الكفر ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ١٨٤] إن كان لكم علم بما هو خير لكم مما هو شر لكم ﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَـانًا ﴾ [العنكبوت : ١٧] أصناماً ﴿ وَتَخْلُقُونَ ﴾ وتكذبون أو تصنعون.
وقرأ أبو حنيفة والسلمي رضي الله عنهما وتخلّقون من خلق بمعنى التكثير
٣٦٥
في خلق ﴿ إِفْكًا ﴾ وقرىء أفكا وهو مصدر نحو كذب ولعب.
والإفك مخفف منه كالكذب واللعب من أصلهما واختلافهم الإفك تسميتهم الأوثان آلهة وشركاء لله ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا ﴾ [العنكبوت : ١٧] لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئاً من الرزق ﴿ فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ ﴾ [العنكبوت : ١٧] كله فإنه هو الرازق وحده لا يرزق غيره ﴿ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُا إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت : ١٧] فاستعدوا للقائه بعبادته والشكر له على أنعمه، وبفتح التاء وكسر الجيم : يعقوب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٥