﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ﴾ [العنكبوت : ٣٧] الزلزلة الشديدة أو صيحة جبريل عليه السلام لأن القلوب رجفت بها ﴿ فَأَصْبَحُوا فِى دَارِهِمْ ﴾ [الأعراف : ٧٨] في بلدهم وأرضهم ﴿ جَـاثِمِينَ ﴾ باركين على الركب ميتين ﴿ وَعَادًا ﴾ منصوب بإضمار " أهلكنا " لأن قوله فأخذتهم الرجفة يدل عليه لأنه في معنى الإهلاك ﴿ وَثَمُودَا ﴾ حمزة وحفص وسهل ويعقوب ﴿ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم ﴾ [العنكبوت : ٣٨] ذلك يعني ما وصفه من إهلاكهم ﴿ مِّن مَّسَـاكِنِهِمْ ﴾ [العنكبوت : ٣٨] من جهة مساكنهم إذا نظرتم إليها عند مروركم بها، وكان أهل مكة يمرون عليها في أسفارهم فيبصرونها ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَـانُ أَعْمَـالَهُمْ ﴾ [النمل : ٢٤] من الكفر والمعاصي ﴿ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ﴾ [النمل : ٢٤] السبيل الذي أمروا بسلوكه هو الإيمان بالله ورسله ﴿ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾ [العنكبوت : ٣٨] عقلاء متمكنين من النظر وتمييز الحق من الباطل ولكنهم لم يفعلوا ﴿ وَقَـارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَـامَـانَ ﴾ [العنكبوت : ٣٩] أي وأهلكناهم ﴿ وَلَقَدْ جَآءَهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَـاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِى الارْضِ وَمَا كَانُوا سَـابِقِينَ ﴾ [العنكبوت : ٣٩] فائتين أدركهم أمر الله فلم يفوتوه ﴿ فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنابِهِ ﴾ [العنكبوت : ٤٠] فيه رد على من يجوز العقوبة بغير ذنب ﴿ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا ﴾ [العنكبوت : ٤٠] هي ريح عاصف فيها حصباء وهي لقوم لوط ﴿ وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ﴾ [العنكبوت : ٤٠] هي لمدين وثمود ﴿ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الارْضَ ﴾ [العنكبوت : ٤٠] يعني قارون
٣٧٢
﴿ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ﴾ [العنكبوت : ٤٠] يعني قوم نوح وفرعون ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾ [العنكبوت : ٤٠] ليعاقبهم بغير ذنب ﴿ وَلَـاكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [البقرة : ٥٧] بالكفر والطغيان.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٢
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ ﴾ [العنكبوت : ٤١] أي آلهة يعني مثل من أشرك بالله الأوثان في الضعف وسوء الاختيار ﴿ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ﴾ [العنكبوت : ٤١] أي كمثل العنكبوت فيما تتخذه لنفسها من بيت فإن ذلك بيت لا يدفع عنها الحر والبرد ولا يقي ما تقي البيوت، فكذلك الأوثان لا تنفعهم في الدنيا والآخرة، جعل حاتم اتخذت حالاً ﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ﴾ [العنكبوت : ٤١] لا بيت أوهن من بيتها.
عن عليّ رضي الله عنه : طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه يورث الفقر ﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ١٠٢] أن هذا مثلهم وأن أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن.
وقيل : معنى الآية مثل الشرك الذي يعبد الوثن بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله مثل عنكبوت تتخذ بيتاً بالإضافة إلى رجل يبنى بيتاً بآجر وجص أو ينحته من صخر، وكما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتاً بيتاً بيت العنكبوت، كذلك أضعف الأديان إذا استقريتها ديناً ديناً عبادة الأوثان لو كانوا يعلمون.
وقال الزجاج : في جماعة تقدير الآية : مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء لو كانوا يعلمون كمثل العنكبوت ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ ﴾ [العنكبوت : ٤٢] بالياء : بصري وعاصم، وبالتاء : غيرهما غير الأعشى والبرجمي.
و " ما " بمعنى " الذي " وهو مفعول يعلم ومفعول يدعون مضمر أي يدعونه يعني يعبدونه ﴿ مِن دُونِهِ مِن شَىْءٍ ﴾ [النحل : ٣٥] " من " في من شيء للتبيين ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ [إبراهيم : ٤] الغالب الذي لا شريك له ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في ترك المعاجلة بالعقوبة، وفيه تجهيل لهم حيث عبدوا جماداً لا علم له ولا قدرة وتركوا عبادة القادر القاهر على كل شيء الحكيم
٣٧٣
الذي لا يفعل كل شيء إلا بحكمة وتدبير
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٧٣


الصفحة التالية
Icon