جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨٠
﴿ وَمَا هَـاذِهِ الْحَيَواةُ الدُّنْيَآ إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ﴾ [العنكبوت : ٦٤] أي وما هي لسرعة زوالها عن أهلها وموتهم عنها إلا كما يلعب الصبيان ساعة ثم يتفرقون، وفيه ازدراء بالدنيا وتصغير لأمرها وكيف لا يصغرها وهي لاتزن عنده جناح بعوضة واللهو ما يتلذذ به الإنسان فيلهيه ساعة ثم ينقضي ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الاخِرَةَ لَهِىَ الْحَيَوَانُ ﴾ [العنكبوت : ٦٤] أي الحياة أي ليس فيها إلا حياة مستمرة دائمة لا موت فيها فكأنها في ذاتها حياة.
والحيوان مصدر حي وقياسه حييان فقلبت الياء الثانية واواً ولم يقل " لهي الحياة " لما في بناء فعلان من معنى الحركة والاضطراب، والحياة حركة والموت سكون، فمجيئه على بناء دال على معنى الحركة مبالغة في معنى الحياة، ويوقف على الحيوان لأن التقدير ﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ١٠٢] حقيقة الدارين لما اختاروا اللهو الفاني على الحيوان الباقي، ولو وصل لصار وصف الحيوان معلقاً بشرط علمهم ذلك وليس كذلك.
﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِى الْفُلْكِ ﴾ [العنكبوت : ٦٥] هو متصل بمحذوف دل عليه ما وصفهم به وشرح من أمرهم معناه : هم على ما وصفوا به من الشرك والعناد فإذا ركبوا في الفلك ﴿ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [يونس : ٢٢] كائنين في صورة من يخلص الدين لله من المؤمنين حيث لا يذكرون إلا الله ولا يدعون معه إلاهاً آخر ﴿ فَلَمَّا نَجَّـاهُمْ إِلَى الْبَرِّ ﴾ [العنكبوت : ٦٥] وأمنوا ﴿ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [العنكبوت : ٦٥] عادوا إلى حال الشرك ﴿ لِيَكْفُرُوا بِمَآ ءَاتَيْنَـاهُمْ ﴾ [النحل : ٥٥] من النعمة.
قيل : هي لام كي وكذا في ﴿ وَلِيَتَمَتَّعُوا ﴾ فيمن قرأها بالكسر أي لكي يكفروا وكي يتمتعوا، والمعنى يعودون إلى شركهم ليكونوا بالعود إلى شركهم كافرين بنعمة النجاة قاصدين التمتيع بها والتلذذ لا غير على خلاف عادة المؤمنين المخلصين على الحقيقة فإنهم يشكرون نعمة الله إذا أنجاهم، ويجعلون نعمة النجاة ذريعة إلى ازدياد الطاعة لا إلى التلذذ والتمتع، وعلى هذا لا وقف على يشركون.
ومن جعله لام الأمر متثبتاً بقراءة ابن كثير وحمزة وعلي
٣٨١
وليتمتعوا بسكون اللام على وجه التهديد كقوله :﴿ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف : ٢٩] وتحقيقه في أصول الفقه يقف عليه ﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر : ٣] سوء تدبيرهم عند تدميرهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨١
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا ﴾ [الإسراء : ٩٩] أي أهل مكة ﴿ أَنَّا جَعَلْنَا ﴾ [العنكبوت : ٦٧] بلدهم ﴿ حَرَمًا ﴾ ممنوعاً مصوناً ﴿ مِنْ ﴾ يأمن داخله ﴿ وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ﴾ [العنكبوت : ٦٧] يستلبون قتلاً وسبياً ﴿ أَفَبِالْبَـاطِلِ يُؤْمِنُونَ ﴾ [النحل : ٧٢] أي أبالشيطان والأصنام ﴿ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [العنكبوت : ٦٧] أي بمحمد عليه السلام والإسلام ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ [الأنعام : ٢١] بأن جعل له شريكاً ﴿ أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ ﴾ [العنكبوت : ٦٨] بنبوة محمد عليه السلام والكتاب ﴿ لَمَّا جَآءَهُا ﴾ [العنكبوت : ٦٨] أي لم يتلعثموا في تكذيبه حين سمعوه ﴿ أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَـافِرِينَ ﴾ [العنكبوت : ٦٨] هذا تقرير لثوائهم في جهنم لأن همزة الإنكار إذا أدخلت على النفي صار إيجاباً يعني ألا يثوون فيها وقد افتروا مثل هذا التكذيب على الله وكذبوا بالحق مثل هذا التكذيب؟ أو ألم يصح عندهم أن في جهنم مثوى للكافرين حين اجترؤوا مثل هذه الجراءة؟ وذكر المثوى في مقابلة لنبوئنهم يؤيد قراءة الثاني ﴿ وَالَّذِينَ جَـاهَدُوا ﴾ [العنكبوت : ٦٩] أطلق المجاهدة ولم يقيدها بمفعول ليتناول كل ما تجب مجاهدته من النفس والشيطان وأعداء الدين ﴿ فِينَا ﴾ في حقنا ومن أجلنا ولوجهنا خالصاً ﴿ لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت : ٦٩] سبلنا أبو عمرو أي لنزيدنهم هداية إلى سبل الخير وتوفيقاً.
وعن الداراني : والذين جاهدوا فيما علموا لنهدينهم إلى ما لم يعلموا فقد قيل : من عمل بما علم وفق لما لا يعلم.
وقيل : إن الذي نرى من جهلنا بما لا
٣٨٢


الصفحة التالية
Icon