﴿ الْمُضْعِفُونَ * اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ ﴾ [الروم : ٤٠] مبتدأ وخبر ﴿ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ [الروم : ٤٠] أي هو المختص بالخلق والرزق والإماتة والإحياء ﴿ هَلْ مِن شُرَكَآ ـاِكُم ﴾ [يونس : ٣٤] أي أصنامكم التي زعمتم أنهم شركاء لله ﴿ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَالِكُم ﴾ [الروم : ٤٠] أي من الخلق والرزق والإماتة والإحياء ﴿ مِّن شَىْءٍ ﴾ [الذاريات : ٤٢] أي شيئاً من تلك الأفعال فلم يجيبوا عجزاً فقال استبعاداً ﴿ سُبْحَـانَهُ وَتَعَـالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس : ١٨] و " من " الأولى والثانية والثالثة كل واحدة منهن مستقلة بتأكيد لتعجيز شركائهم وتجهيل عبدتهم ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ [الروم : ٤١] نحو القحط وقلة الأمطار والريع في الزراعات والربح في التجارات ووقوع الموتان في الناس والدواب وكثرة الحرق والغرق ومحق البركات من كل شيء ﴿ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ ﴾ [الروم : ٤١] بسبب معاصيهم وشركهم كقوله :﴿ وَمَآ أَصَـابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [الشورى : ٣٠] ﴿ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُوا ﴾ [الروم : ٤١] أي ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة، وبالنون عن قنبل ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [آل عمران : ٧٢] عما هم عليه من المعاصي.
ثم أكد تسبيب المعاصي لغضب الله ونكاله بقوله ﴿ قُلْ سِيرُوا فِى الارْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ ﴾ [الروم : ٤٢] حيث أمرهم بأن يسيروا فينظروا كيف أهلك الله الأمم وأذاقهم سوء العاقبة بمعصايهم ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ ﴾ [الروم : ٤٣] البليغ الاستقامة الذي لا يتأتى فيه عوج ﴿ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ ﴾ [الروم : ٤٣] هو مصدر بمعنى الرد ﴿ مِنَ اللَّهِ ﴾ [الجن : ٢٢] يتعلق بيأتي والمعنى من قبل أن يأتي من الله يوم لا يرده أحد كقوله تعالى :﴿ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا ﴾ أو
٣٩٧
بمرد على معنى لا يرده هو بعد أن يجيء به ولا رد له من جهته ﴿ يَوْمَـاـاِذٍ يَصَّدَّعُونَ ﴾ [الروم : ٤٣] يتصدعون أي يتفرقون.
ثم أشار إلى غناه عنهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٧
﴿ مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ﴾ [الروم : ٤٤] أي وبال كفره ﴿ وَمَنْ عَمِلَ صَـالِحًا فَلانفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴾ [الروم : ٤٤] أي يسوون لأنفسهم ما يسويه لنفسه الذي يمهد لنفسه فراشه ويوطئه لئلا يصيبه في مضجعه ما ينغص عليه مرقده من نتوء وغيره، والمعنى أنه يمهد لهم الجنة بسبب أعمالهم فأضيف إليهم.
وتقديم الظرف في الموضعين للدلالة على أن ضرر الكفر لا يعود إلا على الكافر، ومنفعة الإيمان والعمل الصالح ترجع إلى المؤمن لا تجاوزه.
ليجزى متعلق بـ يمهدون تعليل له وتكرير ﴿ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ ﴾ [البقرة : ٢٥] وترك الضمير إلى الصريح لتقرير أنه لا يفلح عنده إلا المؤمن ﴿ مِّن فَضْلِهِ ﴾ [النساء : ٣٢] أي عطائه.
وقوله ﴿ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَـافِرِينَ ﴾ [الروم : ٤٥] تقرير بعد تقرير على الطرد والعكس ﴿ وَمِنْ ءَايَـاتِهِ ﴾ [الروم : ٢٥] أي ومن آيات قدرته ﴿ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ ﴾ [الروم : ٤٦] هي الجنوب والشمال والصبا وهي رياح الرحمة، وأما الدبور فريح العذاب ومنه قوله عليه السلام " اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً " وقد عدد الفوائد في إرسالها فقال ﴿ مُبَشِّرَاتٍ ﴾ أي أرسلها للبشارة بالغيث ﴿ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ ﴾ [الروم : ٤٦] ولإذاقة الرحمة وهي نزول المطر وحصول الخصب الذي يتبعه والروح الذي مع هبوب الريح وزكاء الأرض وغير ذلك.
وليذيقكم معطوف على مبشرات على المعنى كأنه قيل : ليبشركم وليذيقكم ﴿ وَلِتَجْرِىَ الْفُلْكُ ﴾ [الروم : ٤٦] في البحر عند هبوبها ﴿ بِأَمْرِهِ ﴾ أي بتدبيره أو بتكوينه كقوله ﴿ إِنَّمَآ أَمْرُهُا إِذَآ أَرَادَ شيئا ﴾ [يس : ٨٢] الآية.
﴿ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ ﴾ [النحل : ١٤] يريد تجارة البحر ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة : ١٨٥] ولتشكروا نعمة الله فيها.
٣٩٨
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩٨


الصفحة التالية
Icon