أبداً صباً لا ينقطع.
والمعنى : ولو أن أشجار الأرض أقلام والبحر ممدود بسبعة أبحر وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله لما نفدت كلماته وتفدت الأقلام والمداد كقوله :﴿ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَـاتِ رَبِّى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَـاتُ رَبِّى ﴾ [الكهف : ١٠٩].
فإن قلت : زعمت أن قوله والبحر يمده حال في أحد وجهي الرفع وليس فيه ضمير راجع إلى ذي الحال.
قلت : هو كقولك " جئت والجيش مصطف " وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف.
وإنما ذكر شجرة على التوحيد لأنه أريد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة إلا وقد بريت أقلاماً، وأوثر الكلمات وهي جمع قلة على الكلم وهي جمع كثرة لأن معناه أن كلمات لا تفي بكتبتهالبحار فكيف بكلمه ﴿ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ﴾ [البقرة : ٢٠٩] لا يعجزه شيء ﴿ حَكِيمٌ ﴾ لا يخرج من علمه وحكمته شيء فلا تنفد كلماته وحكمه
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١١
﴿ مَّا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [لقمان : ٢٨] إلا كخلق نفس واحدة وبعث نفس واحدة فحذف للعلم به أي سواء في قدرته القليل والكثير فلا يشغله شأن عن شأن ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعُ ﴾ [الحج : ٧٥] لقول المشركين إنه لا بعث ﴿ بَصِيرٌ ﴾ بأعمالهم فيجازيهم.
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ ﴾ [لقمان : ٢٩] يدخل ظلمة الليل في ضوء النهاء إذا أقبل الليل ﴿ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾ [لقمان : ٢٩] لمنافع العباد ﴿ كُلُّ ﴾ أي كل واحد من الشمس والقمر ﴿ يَجْرِى ﴾ في فلكه ويقطعه ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [نوح : ٤] إلى يوم القيامة أو إلى وقت معلوم الشمس إلى آخر السنة والقمر إلى آخر الشهر ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان : ٢٩] وبالياء : عياش.
دل أيضاً بتعاقب الليل والنهار وزيادتهما ونقصانهما وجرى النيرين في فلكيهما على تقدير وحساب وبإحاطته بجميع أعمال الخلق على عظم قدرته وكمال حكمته ﴿ ذَالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ ﴾ [الحج : ٦٢] بالياء : عراقي غير أبي بكر
٤١٢
﴿ مِن دُونِهِ الْبَـاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ ﴾ [لقمان : ٣٠] أي ذلك الوصف الذي وصف به من عجائب قدرته وحكمته التي يعجز عنها الأحياء القادرون العالمون، فكيف بالجماد الذي يدعونه من دون الله إنما هو بسبب أنه هو الحق الثابت الإلهية وأن من دونه باطل الإلهية وأنه هو العلي الشأن الكبير السلطان.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٢
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ ﴾ [لقمان : ٣١] وقريء ﴿ الْفُلْكُ ﴾ وكل فعل يجوز فيه فعل كما يجوز في كل فعل فعل ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِى ﴾ [لقمان : ٣١] بإحسانه ورحمته أو بالريح لأن الريح من نعم الله ﴿ لِيُرِيَكُم مِّنْ ءَايَـاتِهِ ﴾ [لقمان : ٣١] عجائب قدرته في البحر إذا ركبتموها ﴿ إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ ﴾ [إبراهيم : ٥] على بلائه ﴿ شَكُورٍ ﴾ لنعمائه، وهما صفتا المؤمن فالإيمان نصفان : نصفه شكر ونصفه صبر فكأنه قال : إن في ذلك لآيات لكل مؤمن.
﴿ وَإِذَا غَشِيَهُم ﴾ [لقمان : ٣٢] أي الكفار ﴿ مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ ﴾ [لقمان : ٣٢] الموج يرتفع فيعود مثل الظلل والظلة كل ما أظلك من جبل أو سحاب أو غيرهما ﴿ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّـاـاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ﴾ [لقمان : ٣٢] أي باقٍ على الإيمان والإخلاص الذي كان منه ولم يعد إلى الكفر، أو مقتصد في الإخلاص الذي كان عليه في البحر يعني أن ذلك الإخلاص الحادث عند الخوف لا يبقى لأحد قط والمقتصد قليل نادر ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِـاَايَـاتِنَآ ﴾ [العنكبوت : ٤٩] أي بحقيقتها ﴿ إِلا كُلُّ خَتَّارٍ ﴾ [لقمان : ٣٢] غدار والختر أقبح الغدر ﴿ كَفُورٌ ﴾ لربه ﴿ يَـا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ ﴾ [
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٣
لقمان : ٣٣] لا يقضي عنه شيئاً والمعنى لا يجزيء فيه فحذف ﴿ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شيئا ﴾ [لقمان : ٣٣] وارد
٤١٣


الصفحة التالية
Icon