﴿ وَجِيهًا * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا ﴾ صدقاً وصواباً أو قاصداً إلى الحق.
والسداد : القصد إلى الحق والقول بالعدل والمراد نهيهم عما خاضوا فيه من حديث زينب من غير قصد وعدل في القول والبعث على أن يسددوا قولهم في كل باب، لأن حفظ اللسان وسداد القول رأس كل خير.
ولا تقف على ﴿ سَدِيدًا ﴾ لأن جواب الأمر قوله ﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ ﴾ [الأحزاب : ٧١] يقبل طاعتكم أو يوفقكم لصالح العمل ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران : ٣١] أي يمحها.
والمعنى راقبوا الله في حفظ ألسنتكم وتسديد قولكم فإنكم إن فعلتم ذلك أعطاكم ما هو غاية الطلبة من تقبل حسناتكم والإثابة عليها ومن مغفرة سيئاتكم وتكفيرها.
وهذه الآية مقررة للتي قبلها بنيت تلك على النهي عما يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهذه على الأمر باتقاء الله في حفظ اللسان ليترادف عليهم النهي والأمر مع اتباع النهي ما يتضمن الوعيد من قصة موسى عليه السلام وإتباع الأمر الوعد البليغ فيقوي الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه.
ولما علق بالطاعة الفوز العظيم بقوله ﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب : ٧١] أتبعه قوله.
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الامَانَةَ عَلَى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَالْجِبَالِ ﴾ [الأحزاب : ٧٢] وهو يريد بالأمانة الطاعة لله وبحمل الأمانة الخيانة.
يقال : فلان حامل للأمانة ومحتمل لها أي يؤديها إلى صاحبها حتى تزول عن ذمته، إذ الأمانة كأنها راكبة للمؤتمن عليها وهو حاملها
٤٥٨
ولهذا يقال : ركبته الديون ولي عليه حق، فإذا أداها لم تبق راكبة له ولا هو حامل لها يعني أن هذا الأجرام العظام من السماوات والأرض والجبال قد انقادت لأمر الله انقياد مثلها وهو ما يأتي من الجمادات، وأطاعت له الطاعة التي تليق بها حيث لم تتمنع على مشيئته وإرادته إيجاداً وتكويناً وتسوية على هيئات مختلفة وأشكال متنوعة كما قال :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ وَهِىَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلارْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآ ـاِعِينَ ﴾ [فصلت : ١١] (فصلت : ١١).
وأخبر أن الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب يسجدون لله ﴿ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الانْهَـارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ ﴾، وأما الإنسان فلم تكن حاله فيما يصح منه من الطاعة ويليق به من الانقياد لأوامر الله ونواهيه وهو حيوان عاقل صالح للتكليف مثل حال تلك الجمادات فيما يصح منها ويليق بها من الانقياد وعدم الامتناع، وهذا معنى قوله ﴿ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا ﴾ [الأحزاب : ٧٢] أي أبين الخيانة فيها وأن لا يؤدينها ﴿ وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ﴾ [الأحزاب : ٧٢] وخفن من الخيانة فيها ﴿ وَحَمَلَهَا الانسَـانُ ﴾ [الأحزاب : ٧٢] أي خان فيها وأبى أن لا يؤديها ﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا ﴾ [الأحزاب : ٧٢] لكونه تاركاً لأداء الأمانة ﴿ جَهُولا ﴾ لإخطائه ما يساعده مع تمكنه منه وهو أداؤها.
قال الزجاج : الكافر والمنافق حملا الأمانة أي خانا ولم يطيعا.
ومن أطاع من الأنبياء والمؤمنين فلا يقال كان ظلوماً جهولاً.
وقيل : معنى الآية أن ما كلفه الإنسان بلغ من عظمه أنه عرض على أعظم ما خلق الله من الأجرام وأقواه فأبى حمله وأشفق منه وحمله الإنسان على ضعفه ﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ﴾ [الأحزاب : ٧٢] حيث حمل الأمانة ثم لم يف بها وضمنها ثم خاص بضمانه فيها، ونحو هذا من الكلام كثير في لسان العرب، وما جاء القرآن إلا على أساليبهم من ذلك قولهم " لو قيل للشحم أين تذهب لقال أسوي العوج ".
واللام في ﴿ لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَـافِقِينَ وَالْمُنَـافِقَـاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَـاتِ ﴾ [الأحزاب : ٧٣] للتعليل لأن التعذيب هنا نظير التأديب في قولك " ضربته للتأديب " فلا تقف على ﴿ جَهُولا ﴾
٤٥٩