والأثر فعن ابن عباس رضي الله عنهما : السابق المخلص، والمقتصد المرائي، والظالم الكافر بالنعمة غير الجاحد لها لأنه حكم للثلاثة بدخول الجنة.
وقول السلف فقد قال الربيع بن أنس : الظالم صاحب الكبائر، والمقتصد صاحب الصغائر، والسابق المجتنب لهما.
وقال الحسن البصري : الظالم من رجحت سيئاته، والسابق من رجحت حسناته، والمقتصد من استوت حسناته وسيئاته.
وسئل أبو يوسف رحمه الله عن هذه الآية فقال : كلهم مؤمنون، وأما صفة الكفار فبعد هذا وهو قوله :﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ ﴾ [فاطر : ٣٦].
وأما الطبقات الثلاث فهم الذين اصطفى من عباده فإنه قال :﴿ فَمِنْهُمْ ﴾ ﴿ وَمِنْهُم ﴾ ﴿ وَمِنْهُم ﴾ والكل راجع إلى قوله ﴿ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [فاطر : ٣٢] وهم أهل الإيمان وعليه الجمهور.
وإنما قدم الظالم للإيذان بكثرتهم وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم والسابقون أقل من القليل.
وقال ابن عطاء : إنما قدم الظالم لئلا ييأس من فضله.
وقيل : إنما قدمه ليعرّفه أن ذنبه لا يبعده من ربه.
وقيل : إن أول الأحوال معصية ثم توبة ثم استقامة.
وقال سهل : السابق العالم والمقتصد المتعلم والظالم الجاهل.
وقال أيضاً : السابق الذي اشتغل بمعاده، والمقتصد الذي اشتغل بمعاشه ومعاده، والظالم الذي اشتغل بمعاشه عن معاده.
وقيل : الظالم الذي يعبده على الغفلة والعادة، والمقتصد الذي يعبده على الرغبة والرهبة، والسابق الذي يعبده على الهيبة والاستحقاق.
وقيل : الظالم من أخذ الدنيا حلالاً كانت أو حراماً، والمقتصد من يجتهد أن لا يأخذها إلا من حلال، والسابق من أعرض عنها جملة.
وقيل : الظالم طالب الدنيا، والمقتصد طالب العقبي، والسابق طالب المولى ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [فاطر : ٣٢] بأمره أو بعلمه أو بتوفيقه ﴿ ذَالِكَ ﴾ أي إيراث الكتاب ﴿ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر : ٣٢].
﴿ جَنَّـاتُ عَدْنٍ ﴾ [مريم : ٦١] خبر ثان لـ ﴿ ذَالِكَ ﴾ أو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ والخبر
٤٩٦
﴿ يَدْخُلُونَهَا ﴾ أي الفرق الثلاثة ﴿ يَدْخُلُونَهَا ﴾ : أبو عمرو ﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ ﴾ جمع أسورة جمع سوار ﴿ مِن ذَهَبٍ ﴾ أي من ذهب مرصع باللؤلؤ ﴿ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ﴾ [الحج : ٢٣] بالنصب والهمزة : نافع وحفص عطفاً على محل ﴿ مِنْ أَسَاوِرَ ﴾ [الحج : ٢٣] أي يحلون أساور ولؤلؤاً ﴿ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾ [الحج : ٢٣] لما فيه من اللذة والزينة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٩٤
﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾ [فاطر : ٣٤] خوف النار أو خوف الموت أو هموم الدنيا ﴿ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ ﴾ [فاطر : ٣٤] يغفر الجنايات وإن كثرت ﴿ شَكُورٌ ﴾ يقبل الطاعات وإن قلت ﴿ الَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ ﴾ [فاطر : ٣٥] أي الإقامة لا نبرح منها ولا نفارقها يقال أقمت إقامة ومقاماً ومقامة ﴿ مِّن فَضْلِهِ ﴾ [النساء : ٣٢] من عطائه وإفضاله لا باستحقاقنا ﴿ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ ﴾ [فاطر : ٣٥] تعب ومشقة ﴿ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴾ [فاطر : ٣٥] إعياء من التعب وفترة.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ﴿ لُغُوبٌ ﴾ بفتح اللام وهو شيء يلغب منه أي لا نتكلف عملاً يلغبنا ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ﴾ [فاطر : ٣٦] جواب النفي ونصبه بإضمار " أن " أي لا يقضى عليهم بموت ثانٍ فيستريحوا ﴿ وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ﴾ [فاطر : ٣٦] من عذاب نار جهنم ﴿ كَذَالِكَ ﴾ مثل ذلك الجزاء ﴿ نَجْزِى كُلَّ كَفُورٍ ﴾ [فاطر : ٣٦] ﴿ نَجْزِى كُلَّ كَفُورٍ ﴾ : أبو عمرو ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ﴾ [فاطر : ٣٧] يستغيثون فهو يفتعلون من الصراخ وهو الصياح بجهد ومشقة، واستعمل في الاستغاثة لجهر صوت المستغيث ﴿ رَبَّنَآ ﴾ يقولون ربنا
٤٩٧


الصفحة التالية
Icon