﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـانِهِمْ ﴾ [الأنعام : ١٠٩] نصب على المصدر أي إقساماً بليغاً أو على الحال أي جاهدين في أيمانهم ﴿ لَـاـاِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الامَمِ ﴾ [فاطر : ٤٢] بلغ قريشاً قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلّم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم فقالوا : لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم فوالله لئن أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم
٤٩٩
أي من الأمة التي يقال فيها هي إحدى الأمم تفضيلاً لها على غيرها في الهدى والاستقامة كما يقال للداهية العظيمة هي إحدى الدواهي ﴿ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ ﴾ [فاطر : ٤٢] فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿ مَّا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا ﴾ [فاطر : ٤٢] أي ما زادهم مجيء الرسول صلى الله عليه وسلّم إلا تباعداً عن الحق وهو إسناد مجازي ﴿ اسْتِكْبَارًا فِى الارْضِ ﴾ [فاطر : ٤٣] مفعول له وكذا ﴿ وَمَكْرَ ﴾ والمعنى وما زادهم إلا نفوراً للاستنكار ومكر السيء، أو حال يعني مستكبرين وماكرين برسول الله صلى الله عليه وسلّم.
وأصل قوله ومكر السيء وأن مكروا السيء أي المكر السيء، ثم ومكراً السيء ثم ومكر السيء والدليل عليه وقوله ﴿ وَلا يَحِيقُ ﴾ [فاطر : ٤٣] يحيط وينزل ﴿ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ ﴾ [فاطر : ٤٣] ولقد حاق بهم يوم بدر وفي المثل " من حفر لأخيه جباً وقع فيه مكباً ﴿ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلا سُنَّتَ الاوَّلِينَ ﴾ وهو إنزال العذاب على الذين كذبوا برسلهم من الأمم قبلهم، والمعنى فهل ينظرون بعد تكذيبك إلا أن ينزل بهم العذاب مثل الذي نزل بمن قبلهم من مكذبي الرسل، جعل استقبالهم لذلك انتظاراً له منهم ﴿ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا ﴾ بين أن سنته التي هي الانتقام من مكذبي الرسل سنة لا يبدلها في ذاتها ولا يحولها عن أوقاتها وأن ذلك مفعول لا محالة.
﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى الارْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [الروم : ٩] استشهد عليهم بما كانوا يشاهدونه في مسايرهم إلى الشام واليمن والعراق من آثار الماضين وعلامات هلاكهم ودمارهم ﴿ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ ﴾ [فاطر : ٤٤] من أهل مكة ﴿ قُوَّةً ﴾ اقتداراً فلم يتمكنوا من الفرار ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ ﴾ [فاطر : ٤٤] ليسبقه ويفوته ﴿ مِن شَىْءٍ ﴾ [الذاريات : ٤٢] أيّ شيء
٥٠٠
﴿ فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ إِلا ءَاتِى الرَّحْمَـانِ عَبْدًا ﴾ بهم ﴿ قَدِيرًا ﴾ قادراً عليهم ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا ﴾ [فاطر : ٤٥] بما اقترفوا من المعاصي ﴿ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا ﴾ [فاطر : ٤٥] على ظهر الأرض لأنه جرى ذكر الأرض في قوله ﴿ لِيُعْجِزَهُ مِن شَىْءٍ فِى السَّمَـاوَاتِ وَلا فِى الارْضِ ﴾ [فاطر : ٤٤] (فاطر : ٤٤) ﴿ مِن دَآبَّةٍ ﴾ [الجاثية : ٤] من نسمة تدب عليها ﴿ وَلَـاكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [النحل : ٦١] إلى يوم القيامة ﴿ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرَا ﴾ [فاطر : ٤٥] أي لم تخف عليه حقيقة أمرهم وحكمة حكمهم.
٥٠١
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٩٨


الصفحة التالية
Icon