﴿ عَن ذِى الْقَرْنَيْنِ ﴾ [الكهف : ٨٣] هو الإسكندر الذي ملك الدنيا قيل ملكها مؤمنان ذو القرنين وسليمان وكافران نمرود وبختنصر وكان بعد نمرود وقيل كان عبداً صالحاً ملّكه الله الأرض وأعطاه العلم والحكمة وسخر له النور والظلمة فإذا سرى يهديه النور من أمامة وتحوطه الظلمة من ورائه وقيل نبياً وقيل ملكاً من الملائكة وعن عليّ رضي الله عنه أنه قال : ليس بملك ولا نبي ولكن كان عبداً صالحاً ضرب على قرنه الأيمن في طاعة الله فمات ثم بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر فمات فبعثه الله فسمي ذا القرنين وفيكم مثله أراد نفسه قيل كان يدعوهم إلى التوحيد فيقتلونه فيحييه الله تعالى وقل عليه السلام :" سمي ذا القرنين لأنه طاف قرني الدنيا " يعني جانبيها شرقها وغربها وقيل كان له قرنان أي ضفيرتان أو انقرض في وقته قرنان من الناس أو لأنه ملك الروم وفارس أو الترك والروم أو كان لتاجه قرنان أو على رأسه ما يشبه القرنين أو كان كريم الطرفين أبا وأما وكان من الروم ﴿ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُم مِّنْهُ ﴾ [الكهف : ٨٣] من ذي القرنين ﴿ ذِكْرًا ﴾
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٨
﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الارْضِ ﴾ [الكهف : ٨٤] جعلنا له فيها مكانة واعتلاء ﴿ وَءَاتَيْنَـاهُ مِن كُلِّ شَىْءٍ ﴾ [الكهف : ٨٤] أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه ﴿ سَبَبًا ﴾ طريقاً موصلاً إليه ﴿ فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ [الكهف : ٨٥] والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة فأراد بلوغ المغرب فأتبع سبباً.
يوصله إليه حتى بلغ وكذلك أراد المشرق فأتبع سبباً وأراد بلوغ السدين فأتبع سبباً.
فأتبع سبباً ثم أتبع كوفي وشامي الباقون بوصل الألف وتشديد التاء عن الأصمعي أتبع لحق واتبع اقتفى وإن لم يلحق ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ ﴾ [الكهف : ٨٦] أي منتهى العمارة نحو المغرب وكذا المطلع قال صلى الله عليه وسلّم :" بدء أمره أنه وجد في الكتب أن أحد أولاد سام يشرب من عين الحياة فيخلد فجعل يسير في طلبها والخضر وزيره وابن خالته فظفر فشرب ولم يظفر ذو القرنين " ﴿ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾ [الكهف : ٨٦] ذات حمأة من حمئت البئر إذا صارت
٤٠
فيها الحمأة حامية شامي وكوفي غير حفص بمعنى حارة وعن أبي ذر كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلّم على جمل فرأى الشمس حين غابت فقال :" أتدري يا أبا ذر أين تغرب هذه " قلت الله ورسوله أعلم قال :" فإنها تغرب في عين حامية " وكان ابن عباس رضي الله عنهما عند معاوية فقرأ معاوية حامية فقال : ابن عباس حمئة فقال معاوية : لعبد الله بن عمرو كيف تقرؤها فقال : كما يقرأ أمير المؤمنين ثم وجه إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب قال : في ماء وطين كذلك نجده في التوراة فوافق قول ابن عباس رضي الله عنهما ولا تنافي فجاز أن تكون العين جامعة للوصفين جميعاً ﴿ وَوَجَدَ عِندَهَا ﴾ [الكهف : ٨٦] عند تلك العين ﴿ قَوْمًا ﴾ عراة من الثياب لباسهم جلود الصيد وطعامهم ما لفظ البحر وكانوا كفاراً ﴿ قُلْنَا يَـاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ﴾ [الكهف : ٨٦] إن كان نبياً فقد أوحى الله إليه بهذا وإلا فقد أوحى إلى نبي فأمره النبي به أو كان إلهاماً خير بين أن يعذبهم بالقتل إن أصروا على أمرهم وبين أن يتخذ فيهم حسناً بإكرامهم وتعليم الشرائع إن آمنوا أو التعذيب القتل وإتخاذ الحسن الأسر لأنه بالنظر إلى القتل إحسان
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٠