﴿ فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ﴾ [مريم : ٨٤] بالعذاب ﴿ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ﴾ [مريم : ٨٤] أي أعمالهم للجزاء وأنفاسهم للفناء وقرأها ابن السماك عند المأمون فقال : إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما أسرع ما تنفد ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَـانِ وَفْدًا ﴾ [مريم : ٨٥] ركبانا على نوق رحالها ذهب وعلى نجائب سروجها ياقوت ﴿ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [مريم : ٨٦] الكافرين سوق الأنعام لأنهم كانوا أضل من الأنعام ﴿ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ﴾ [مريم : ٨٦] عطاشا لأن من يرد الماء لا يرده إلا لعطش وحقيقة الورد المسير إلى الماء فيسمى به الواردون، فالوفد جمع وافد كركب وراكب والورد جمع وارد ونصب يوم بمضمر أو يوم نحشر ونسوق نفعل بالفريقين ما لا يوصف أي اذكر يوم نحشر.
ذكر المتقون بأنهم يجمعون إلى ربهم الذي غمرهم برحمته كما يفد الوفود على الملولك تبجيلاً لهم والكافرون بأنهم يساقون إلى النار كانهم نعم عطاش تساق إلى الماء استخفافاً بهم ﴿ لا يَمْلِكُونَ الشَّفَـاعَةَ ﴾ [مريم : ٨٧] حال والواو إن جعل ضميراً فهو للعباد ودل عليه ذكر المتقين والمجرمين لأنهم على هذه القسمة ويجوز أن يكون علامة للجمع كالتي في أكلوني البراغيث والفاعل من اتخذ لأنه في معنى الجمع ومحل من اتخذ رفع على البدل من واو يملكون أو على الفاعلية أو نصب على تقدير حذف المضاف أي إلا شفاعة من اتخذ والمراد لا يمكلون أن يشفع لهم ﴿ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَـانِ عَهْدًا ﴾ [مريم : ٨٧] بأن آمن.
في الحديث " من قال : لا إله إلا الله كان له عند الله عهد " وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : لأصحابه ذات يوم :" أيعجز أحدكم أن
٧٢
يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهداً " قالوا : وكيف ذلك قال :" يقول كل صباح ومساء اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك وإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عهداً توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد فإذا قال : ذلك طبع عليه بطابع ووضع تحت العرش فإذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الذين كان لهم عند الله عهد فيدخلون الجنة " أو يكون من عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به أي لا يشفع إلا المأمور بالشفاعة المأذون له فيها
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٢
﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَـانُ وَلَدًا ﴾ [مريم : ٨٨] أي النصارى واليهود ومن زعم أن الملائكة بنات الله ﴿ لَّقَدْ جِئْتُمْ شيئا إِدًّا ﴾ [مريم : ٨٩] خاطبهم بهذا الكلام بعد الغيبة وهو التفات أو أمر نبيه عليه السلام بأن يقول لهم ذلك ؛ والإد العجب أو العظيم المنكر والإدة الشدة وأدّني الأمر أثقلني وعظم عليّ أدًّا ﴿ تَكَادُ السَّمَـاوَاتُ ﴾ [الشورى : ٥] تقرب وبالياء نافع وعليّ ﴿ يَتَفَطَّرْنَ ﴾ وبالنون بصري وشامي وحمزة وخلف وأبو بكر.
الانفطار من فطره إذا شقه والتفطر من فطره إذا شققه ﴿ مِنْهُ ﴾ من عظم هذا القول ﴿ وَتَنشَقُّ الارْضُ ﴾ [مريم : ٩٠] تنخسف وتنفصل أجزاؤها ﴿ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ ﴾ [مريم : ٩٠] تسقط ﴿ هَدًّا ﴾ كسراً أو قطعاً أو هدماً، والهدة صوت الصاعقة من السماء وهو مصدر أي تهد هدّا من سماع قولهم أو مفعول له أو حال أي مهدودة ﴿ أَن دَعَوْا ﴾ [مريم : ٩١] لأن سموا ومحله جر بدل من الهاء في منه أو نصب مفعول له علل الخرور بالهد والهد يدعاء الولد للرحمن أو رفع فاعل هدا أي هدها دعاؤهم ﴿ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـانِ وَلَدًا * وَمَا يَنابَغِى لِلرَّحْمَـانِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾ انبغى مطاوع بغى إذ طلب أي ما يتأتي
٧٣
له اتخاذ الولد وما يتطلب لو طلب مثلاً لأنه محال غير داخل تحت الصحة وهذا لأن اتخاذ الولد لحاجة ومجالسة وهو منزه عنهما وفي اختصاص الرحمن وتكريره مرات بيان أنه الرحمن وحده لا يستحق هذا الاسم غيره لأن أصول النعم وفروعها منه فلينكشف عن بصرك غطاؤه، فأنت وجميع ما عندك عطاؤه فمن أضاف إليه ولداً فقد جعله كبعض خلقه وأخرجه بذلك عن استحقاق اسم الرحمن
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٧٣