﴿ وَكَذَالِكَ نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِـاَايَـاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الاخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [طه : ١٢٧] لما توعد المعرض عن ذكره بعقوبتين : المعيشة الضنك في الدنيا وحشره أعمى في العقبى ختم آيات الوعيد بقوله ولعذاب الآخرة أشد وأبقى أي للحشر على العمى الذي يزول أبداً أشد من ضيق العيش المنقضي ﴿ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ ﴾ [طه : ١٢٨] أي الله بدليل قراءة زيد عن يعقوب بالنون ﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ ﴾ [طه : ١٢٨] حال من الضمير المجرور في لهم ﴿ فِى مَسَـاكِنِهِمْ ﴾ [طه : ١٢٨] يريد أن قريشاً يمشون في مساكن عاد وثمود وقوم لوط ويعاينون آثار هلاكهم ﴿ إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لاوْلِى النُّهَى ﴾ لذوي العقول إذا تفكروا علموا أن استئصالهم لكفرهم فلا يفعلون مثل ما فعلوا ﴿ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ﴾ [يونس : ١٩] أي الحكم بتأخير العذاب عن أمة محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿ لَكَانَ لِزَامًا ﴾ [طه : ١٢٩] لازماً فاللزام مصدر لزم فوصف به ﴿ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى ﴾ [طه : ١٢٩] القيامة وهو معطوف على كلمة، والمعنى ولولا حكم سبق بتأخير العذاب عنهم وأجل مسمى وهو القيامة لكان العذاب لازماً لهم في الدنيا كما لزم القرون الماضية الكافرة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٠٦
﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ﴾ [طه : ١٣٠] فيك ﴿ وَسَبِّحْ ﴾ وصل ﴿ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾ [غافر : ٥٥] في موضع الحال وأنت حامد لربك على أن وفقك للتسبيح وأعانك عليه ﴿ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ﴾ [ق : ٣٩] يعني صلاة الفجر ﴿ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾ [طه : ١٣٠] يعني الظهر والعصر لأنهما واقعتان في
١٠٦
النصف الأخير من النهار بين زوال الشمس وغروبها ﴿ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ﴾ أي وتعهد أناء الليل أي ساعاته وأطراف النهار مختصاً لها بصلاتك.
وقد تناول التسبيح في آناء الليل وصلاة العتمة، وفي أطراف النهار صلاة المغرب، وصلاة الفجر على التكرار إرادة الاختصاص كما اختصت في قوله ﴿ حَـافِظُوا عَلَى ﴾ [البقرة : ٢٣٨] عند البعض.
وإنما جمع وأطراف النهار وهما طرفان لأمن الإلباس وهو عطف على قبل ﴿ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾ [طه : ١٣٠] لعل للمخاطب أي اذكر الله في هذه الأوقات رجاء أن تنال عند الله ما به ترضى نفسك ويسر قلبك.
وترضى علي وأبو بكر أي يرضيك ربك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٠٦
﴿ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ﴾ [طه : ١٣١] أي نظر عينيك ومد النظر تطويله وأن لا يكاد يرده استحساناً للمنظور إليه وإعجاباً به، وفيه أن النظر غير الممدود معفو عنه وذلك أن يباده الشيء بالنظر ثم يغض الطرف.
ولقد شدد المتقون في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة وعدد الفسقة في ملابسهم ومراكبهم حتى قال الحسن : لا تنظروا إلى دقدقة هماليج الفسقة، ولكن انظروا كيف يلوح ذل المعصية من تلك الرقاب.
وهذا لأنهم إنما اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة فالناظر إليها محصل لغرضهم ومغر لهم على اتخاذها ﴿ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ ﴾ [الحجر : ٨٨] أصنافاً من الكفرة ويجوز أن ينتصب حالاً من هاء الضمير والفعل واقع على منهم كأنه قال إلى الذي متعنا به وهو أصناف بعضهم وناساً منهم ﴿ زَهْرَةَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا ﴾ [طه : ١٣١] زينتها وبهجتها وانتصب على الذم أو على إبداله من محل به أو على إبداله من أزواجا على تقدير ذوي زهرة ﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ [طه : ١٣١] لنبلوهم حتى يستوجبوا العذاب لوجود الكفران منهم أو لنعذبهم في الآخرة بسببه ﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ ﴾ [طه : ١٣١] ثوابه وهو الجنة أو الحلال الكافي ﴿ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه : ٧٣] مما رزقوا ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ ﴾ [طه : ١٣٢] أمتك أو أهل بيتك ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ ﴾ [طه : ١٣٢] أنت دوام ﴿ عَلَيْهَا لا نَسْـاَلُكَ رِزْقًا ﴾ [طه : ١٣٢] أي لا نسألك أن ترزق نفسك ولا أهلك
١٠٧


الصفحة التالية
Icon