﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم ﴾ [الأنبياء : ٣٥] ونختبركم سمي ابتلاء وإن كان عالماً بما سيكون من أعمال العاملين قبل وجودهم لأنه في صورة الاختبار ﴿ بِالشَّرِّ ﴾ بالفقر والضر ﴿ وَالْخَيْرِ ﴾ الغني والنفع ﴿ فِتْنَةً ﴾ مصدر مؤكد لـ نبلوكم من غير لفظه ﴿ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء : ٣٥] فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر والشكر.
وعن ابن ذكوان ترجعون.
﴿ وَإِذَا رَءَاكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ ﴾ [الأنبياء : ٣٦] ما يتخذونك ﴿ إِلا هُزُوًا ﴾ [الفرقان : ٤١] مفعول ثان لـ يتخذونك نزلت في أبي جهل مر به النبي صلى الله عليه وسلّم فضحك وقال : هذا نبي بني عبد مناف ﴿ أَهَـاذَا الَّذِى يَذْكُرُ ﴾ [الأنبياء : ٣٦] يعيب ﴿ ءَالِهَتَكُمْ ﴾ والذكر يكون بخير وبخلافه فإن كان الذاكر صديقاً فهو ثناء وإن كان عدواً فذم ﴿ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَـانِ ﴾ [الأنبياء : ٣٦] أي بذكر الله وما يجب أن يذكر به من الوحدانية ﴿ هُمْ كَـافِرُونَ ﴾ [هود : ١٩] لا يصدقون به أصلاً فهم أحق أن يتخذوا هزواً منك فإنك محق وهم مبطلون.
وقيل : بذكر الرحمن أي بما أنزل عليك من القرآن هم كافرون جاحدون، والجملة في موضع الحال أي يتخذونك هزواً وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بالله تعالى، وكرر ﴿ هُمْ ﴾ للتأكيد، أو لأن الصلة حالت بينه وبين الخبر فأعيد المبتدأ ﴿ خُلِقَ الانْسَـانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾ [الأنبياء : ٣٧] فسر بالجنس.
وقيل : نزلت حين كان النضر ابن الحارث يستعجل بالعذاب.
والعجل والعجلة مصدران، وهو تقديم الشيىء على وقته، والظاهر أن المراد الجنس وأنه ركب فيه العجلة فكأنه خلق من العجل ولأنه يكثر منه، والعرب تقول لمن يكثر منه الكرم " خلق من الكرم " فقدم أولاً ذم الإنسان على إفراط العجلة وأنه مطبوع عليها ثم منعه وزجره كأنه قال : ليس ببدع منه أن يستعجل فإنه مجبول على ذلك وهو طبعه وسجيته فقد ركب فيه.
وقيل : العجل الطين بلغه حمير قال شاعرهم :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٢٠
والنخل ينبت بين الماء والعجل
١٢٠
وإنما منع عن الاستعجال وهو مطبوع عليه كما أمره بقمع الشهوة وقد ركبها فيه، لأنه أعطاه القوة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة ومن عجل حال أي عجلاً ﴿ خَلَقَ الانسَـانَ ﴾ [الأنبياء : ٣٧] نقماتي ﴿ فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ﴾ [الأنبياء : ٣٧] بالإتيان بها وهو بالياء عند يعقوب وافقه سهل وعباس في الوصل.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٢٠
﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَـاذَا الْوَعْدُ ﴾ [يونس : ٤٨] إتيان العذاب أو القيامة ﴿ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ﴾ [البقرة : ٢٣] قيل : هو أحد وجهي استعجالهم ﴿ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَن ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ [الأنبياء : ٣٩] جواب " لو " محذوف وحين مفعول به ليعلم أي لو يعلمون الوقت الذي يستعجلونه بقولهم متى هذا الوعد وهو وقت تحيط بهم فيه النار من وراء وقدام فلا يقدرون على دفعها ومنعها من أنفسهم ولا يجدون ناصراً ينصرهم لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال ولكن جهلهم به هو الذي هونه عندهم ﴿ بَلْ تَأْتِيهِم ﴾ [الأنبياء : ٤٠] الساعة ﴿ بَغْتَةً ﴾ فجأة ﴿ فَتَبْهَتُهُمْ ﴾ فتحيرهم أي لا يكفونها بل تفجأهم فتغلبهم ﴿ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا ﴾ [الأنبياء : ٤٠] فلا يقدرون على دفعها ﴿ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ [البقرة : ١٦٢] يمهلون ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِى َ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ ﴾ [الأنعام : ١٠] فحل ونزل ﴿ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم ﴾ [الأنعام : ١٠] جزاء ﴿ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ ﴾ [النحل : ٣٤] سلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن استهزائهم به بأن له في الأنبياء أسوة وأن ما يفعلونه به يحيق بهم كما حاق بالمستهزئين بالأنبياء ما فعلوا
١٢١
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٢١