﴿ وَإِن يُكَذِّبُوكَ ﴾ [فاطر : ٢٥] هذه تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلّم من تكذيب أهل مكة إياه أي لست بأوحدي في التكذيب ﴿ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ ﴾ [الحج : ٤٢] قبل قومك ﴿ قَوْمُ نُوحٍ ﴾ [هود : ٨٩] نوحاً ﴿ وَعَادٌ ﴾ هوداً ﴿ وَثَمُودُ ﴾ صالحاً ﴿ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [التوبة : ٧٠] إبراهيم ﴿ وَقَوْمُ لُوطٍ ﴾ [الحج : ٤٣] لوطاً ﴿ وَأَصْحَـابُ مَدْيَنَ ﴾ [التوبة : ٧٠] شعيباً ﴿ وَكُذِّبَ مُوسَى ﴾ [الحج : ٤٤] كذبه فرعون والقبط ولم يقل وقوم موسى لأن موسى ما كذبه قومه بنو إسرائيل وإنما كذبه غير قومه، أو كأنه قيل بعدما ذكر تكذيب كل قوم رسولهم وكذب موسى أيضاً مع وضوح آياته وظهور معجزاته فما ظنك بغيره ﴿ فَأَمْلَيْتُ لِلْكَـافِرِينَ ﴾ [الحج : ٤٤] أمهلتهم وأخرت عقوبتهم ﴿ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ﴾ [الرعد : ٣٢] عاقبتهم على كفرهم ﴿ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ [الحج : ٤٤] إنكاري وتغييري حيث أبدلتهم بالنعم نقماً وبالحياة هلاكاً وبالعمارة خراباً.
نكيري بالياء في الوصل والوقف : يعقوب ﴿ فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـاهَا ﴾ [الحج : ٤٥] أهلكتها بصري ﴿ وَهِىَ ظَالِمَةٌ ﴾ [هود : ١٠٢] حال أي وأهلها مشركون ﴿ فَهِىَ خَاوِيَةٌ ﴾ [الحج : ٤٥] ساقطة من خوى النجم إذا سقط ﴿ عَلَى عُرُوشِهَا ﴾ [البقرة : ٢٥٩] يتعلق بـ خاوية والمعنى أنها ساقطة على سقوفها أي خرت سقوفها على الأرض ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف، ولا محل لـ فهي خاوية من الإعراب لأنها معطوفة على أهلكناها وهذا الفعل ليس له محل، وهذا إذا جعلنا منصوب المحل على تقدير كثيراً من القرى أهلكناها ﴿ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ ﴾ [الحج : ٤٥] أي متروكة لفقد دلوها ورشائها وفقد تفقدها، أو هي عامرة فيها الماء ومعها آلات الاستقاء إلا أنها
١٥٨
عطلت أي تركت لا يستقي منها لهلاك أهلها ﴿ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ﴾ [الحج : ٤٥] مجصص من الشيد الجص أو مرفوع البنيان من شاد البناء رفعه، والمعنى كم قرية أهلكناها وكم بئر عطلناها عن سقاتها وقصر مشيد أخليناه عن ساكنيه أي أهلكنا البادية والحاضرة جميعاً فخلت القصور عن أربابها والآبار عن واردها والأظهر أن البئر والقصر على العموم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٨
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الارْضِ ﴾ [الحج : ٤٦] هذا حث على السفر ليروا مصارع من أهلهم بكفرهم ويشاهدوا آثارهم فيعتبروا ﴿ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ [الحج : ٤٦] أي يعقلون ما يجب أن يعقل من التوحيد ونحوه ويسمعون ما يجب سماعه من الوحي ﴿ فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الابْصَـارُ وَلَـاكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ ﴾ [الحج : ٤٦] الضمير في فإنها ضمير القصة أو ضمير مبهم يفسره الأبصار أي فما عميت أبصارهم عن الإبصار بل قلوبهم عن الاعتبار.
ولكل إنسان أربع أعين : عينان في رأسه وعينان في قلبه، فإذا أبصر ما في القلب وعمي ما في الرأس لم يضره، وإن أبصر ما في الرأس وعمي ما في القلب لم ينفعه، وذكر الصدور لبيان أن محل العلم القلب ولئلا يقال : إن القلب يعني به غير هذا العضو كما يقال " القلب لب كل شيء ".
﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ﴾ [الحج : ٤٧] الآجل استهزاء ﴿ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ [الحج : ٤٧] كأنه قال : ولم يستعجلونك به كأنهم يجوزون الفوت وإنما يجوز ذلك على ميعاد من يجوز عليه الخلف ولن يخلف الله وعده وما وعده ليصيبنهم ولو بعد حين ﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [الحج : ٤٧] يعدون مكي وكوفي غير عاصم أي كيف يستعجلون بعذاب من يوم واحد من أيام عذابه في طول ألف سنة من سنيكم لأن أيام الشدائد طوال.
﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِىَ ظَالِمَةٌ ﴾ [الحج : ٤٨] أي وكم من أهل قرية كانوا
١٥٩
مثلكم ظالمين قد أنظرتهم حيناً ﴿ ثُمَّ أَخَذْتُهَا ﴾ [الحج : ٤٨] بالعذاب ﴿ وَإِلَىَّ الْمَصِيرُ ﴾ [الحج : ٤٨] أي المرجع إلي فلا يفوتني شيء.
وإنما كانت الأولى أي فكأين معطوفة بالفاء وهذه أي وكأين بالواو لأن الأولى وقعت بدلاً عن فكيف كان نكير وأما هذه فحكمها حكم ما تقدمها من الجملتين المعطوفتين بالواو وهما ﴿ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُا وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ ﴾ [الحج : ٤٧]
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٩


الصفحة التالية
Icon