﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون : ٣] اللغو كل كلام ساقط حقه أن يلغى كالكذب والشتم والهزل يعني أن لهم من الجد ما شغلهم عن الهزل.
ولما وصفهم بالخشوع في الصلاة أتبعه الوصف بالإعراض عن اللغو ليجمع لهم الفعل والترك الشاقين على الأنفس اللذين هما قاعدتا بناء التكليف.
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَواةِ فَـاعِلُونَ ﴾ [المؤمنون : ٤] مؤدون ولفظ فاعلون يدل على المداومة بخلاف " مؤدون ".
وقيل : الزكاة اسم مشترك يطلق على العين وهو القدر الذي يخرجه المزكي من النصاب إلى الفقير، وعلى المعنى وهو فعل المزكي الذي هو التزكية وهو المراد هنا، فجعل المزكين فاعلين له لأن لفظ الفعل يعم جميع الأفعال كالضرب والقتل ونحوهما.
تقول للضارب والقاتل والمزكي فعل الضرب والقتل والتزكية، ويجوز أن يراد بالزكاة العين ويقدر مضاف محذوف وهو الأداء، ودخل اللام لتقدم المفعول وضعف اسم الفاعل في العمل فإنك تقول " هذا ضارب لزيد " ولا تقول " ضرب لزيد " ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـافِظُونَ ﴾ [المؤمنون : ٥] الفرج يشمل سوءة الرجل والمرأة ﴿ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ ﴾ [المؤمنون : ٦] في موضع الحال أي إلا والين على أزواجهم أو قوامين عليهن من قولك " كان زياد على البصرة " أي والياً عليها.
والمعنى أنهم لفروجهم حافظون في جميع الأحوال إلا في حال تزوجهم أو تسريهم، أو تعلق " على " بمحذوف يدل عليه غير ملومين كأنه قيل : يلامون إلا على أزواجهم أي يلامون على كل مباشرة إلا على ما أطلق لهم فإنهم غير ملومين عليه.
وقال الفراء : إلا من أزواجهم أي زوجاتهم ﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُمْ ﴾ [المؤمنون : ٦] أي إمائهم ولم يقل " من " لأن المملوك جرى مجرى غير العقلاء ولهذا يباع كما تباع البهائم ﴿ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ [المؤمنون : ٦] أي لا لوم عليهم إن لم يحفظوا فروجهم عن نسائهم وإمائهم
١٧١
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧١
﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذَالِكَ ﴾ [المؤمنون : ٧] طلب قضاء شهوة من غير هذين ﴿ فَأُوالَـائكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ [المؤمنون : ٧] الكاملون في العدوان وفيه دليل تحريم المتعة والاستمتاع بالكف لإرادة الشهوة ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لامَـانَـاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ ﴾ [المؤمنون : ٨] لأمانتهم مكي وسهل.
سمي الشيء المؤتمن عليه والمعاهد عليه أمانة وعهداً ومنه قوله تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الامَـانَـاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء : ٥٨] وإنما تؤدى العيون لا المعاني والمراد به العموم في كل ما ائتمنوا عليه وعوهدوا من جهة الله عز وجل ومن جهة الخلق ﴿ رَاعُونَ ﴾ حافظون والراعي القائم على الشيء بحفظ وإصلاح كراعي الغنم.
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ ﴾ [المؤمنون : ٩] ﴿ صَلاتِهِمْ ﴾ كوفي غير أبي بكر ﴿ يُحَافِظُونَ ﴾ يداومون في أوقاتها.
وإعادة ذكر الصلاة لأنها أهم، ولأن الخشوع فيها غير المحافظة عليها، أو لأنها وحدت أولاً ليفاد الخشوع في جنس الصلاة أية صلاة كانت، وجمعت آخراً ليفاد المحافظة على أنواعها من الفرائض والواجبات والسنن والنوافل ﴿ أؤلئك ﴾ الجامعون لهذه الأوصاف ﴿ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴾ [المؤمنون : ١٠] الأحقاء بأن يسموا ورّاثاً دون من عداهم.
ثم ترجم الوارثون بقوله ﴿ الَّذِينَ يَرِثُونَ ﴾ [المؤمنون : ١١] من الكفار في الحديث " ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار، فإن مات ودخل الجنة ورث أهل النار منزله، وإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله " ﴿ الْفِرْدَوْسَ ﴾ هو البستان الواسع الجامع لأصناف الثمر.
وقال قطرب : هو أعلى الجنان ﴿ هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ ﴾ [البقرة : ٣٩] أنث الفردوس بتأويل الجنة.
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الانسَـانَ ﴾ [المؤمنون : ١٢] أي آدم ﴿ مِن سُلَـالَةٍ ﴾ [المؤمنون : ١٢] " من " للابتداء والسلالة الخلاصة لأنها تسل من بين الكدر.
وقيل : إنما سمي التراب الذي خلق آدم منه سلالة
١٧٢
لأنه سل من كل تربة ﴿ مِّن طِينٍ ﴾ [الأعراف : ١٢] " من " للبيان كقوله ﴿ مِنَ الاوْثَـانِ ﴾ [الحج : ٣٠].
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٢