هي إلا حياتنا الأولى؟ وما معنى ذكر الأولى كأنهم وعدوا موتة أخرى حتى جحدوها وأثبتوا الأولى؟ والجواب أنه قيل لهم إنكم تموتون موتة تتعقبها حياة كما تقدمتكم موتة قد تعقبتها حياة وذلك قول تعالى :﴿ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَـاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ [البقرة : ٢٨] (البقرة : ٨٢) فقالوا : إن هي إلا موتتنا الأولى يريدون ما الموتة التي من شأنها أن يتعقبها حياة إلا الموتة الأولى فلا فرق إذاً بين هذا وبين قوله " إلا حياتنا الدنيا " في المعنى.
ويحتمل أن يكون هذا إنكاراً لما في قوله :﴿ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ﴾ [غافر : ١١] (غافر : ١١) ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ ﴾ [الدخان : ٣٥] بمبعوثين يقال : أنشر الله الموتى.
ونشرهم إذا بعثهم ﴿ فَأْتُوا بِـاَابَآ ـاِنَآ ﴾ [الدخان : ٣٦] خطاب الذين كانوا يعدونهم النشور من رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين ﴿ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ﴾ [البقرة : ٢٣] أي إن صدقتم فيما تقولون فعجلوا لنا إحياء من مات من آبائنا بسؤالكم ربكم ذلك حتى يكون دليلاً على أن ما تعدونه من قيام الساعة وبعث الموتى حق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٠
﴿ أَهُمْ خَيْرٌ ﴾ [الدخان : ٣٧] في القوة والمنعة ﴿ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ ﴾ [الدخان : ٣٧] هو تبع الحميري كان مؤمناً وقومه كافرين.
وقيل : كان نبياً في الحديث :" ما أدرى أكان تبع نبياً أو غير نبي " ﴿ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [الدخان : ٣٧] مرفوع بالعطف على ﴿ قَوْمُ تُبَّعٍ ﴾ [الدخان : ٣٧] ﴿ أَهْلَكْنَـاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [الدخان : ٣٧] كافرين منكرين للبعث ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ [الحجر : ٨٥] أي وما بين الجنسين ﴿ لَـاعِبِينَ ﴾ حال ولو لم يكن بعث ولا حساب ولا ثواب كان خلق الخلق للفناء خاصة فيكون لعباً ﴿ مَا خَلَقْنَـاهُمَآ إِلا بِالْحَقِّ ﴾ [الدخان : ٣٩] بالجد ضد اللعب ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام : ٣٧] أنه خلق لذلك.
١٩٢
﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ ﴾ [النبأ : ١٧] بين المحق والمبطل وهو يوم القيامة ﴿ مِيقَـاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الدخان : ٤٠] وقت موعدهم كلهم ﴿ يَوْمَ لا يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شيئا ﴾ [الدخان : ٤١] أيّ ولي كان عن أي ولي كان شيئاً من إغناء أي قليلاً منه ﴿ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ [البقرة : ٤٨] الضمير للمولى لأنهم في المعنى لتناول اللفظ على الإبهام والشياع كل مولى ﴿ إِلا مَن رَّحِمَ اللَّهُ ﴾ [الدخان : ٤٢] في محل الرفع على البدل من الواو في ﴿ يُنصَرُونَ ﴾ أي لا يمنع من العذاب إلا من رحمة الله ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ ﴾ [العنكبوت : ٢٦] الغالب على أعدائه ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ لأوليائه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٩٠
﴿ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ ﴾ هي على صورة شجرة الدنيا لكنها في النار والزقوم ثمرها وهو كل طعام ثقيل ﴿ طَعَامُ الاثِيمِ ﴾ [الدخان : ٤٤] هو الفاجر الكثير الآثام.
وعن أبي الدرداء أنه كان يقرىء رجلاً فكان يقول : طعام اليتيم.
فقال : قل طعام الفاجر يا هذا.
وبهذا تستدل على أن إبدال الكلمة مكان الكلمة جائز إذا كانت مؤدية معناها، ومنه أجاز أبو حنيفة رضي الله عنه القراءة بالفارسية بشرط أن يؤدي القارىء المعاني كلها على كمالها من غير أن يخرم منها شيئاً.
قالوا : وهذه الشريطة تشهد أنها إجازة كلا إجازة لأن في كلام العرب خصوصاً في القرآن الذي هو معجز بفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه من لطائف المعاني والدقائق ما لا يستقل بأدائه لسان من فارسية وغيرها.
ويروى رجوعه إلى قولهما وعليه الاعتماد ﴿ كَالْمُهْلِ ﴾ هو دردي الزيت، والكاف رفع خبر بعد خبر ﴿ يَغْلِى فِى الْبُطُونِ ﴾ [الدخان : ٤٥] بالياء : مكي وحفص (وقرىء بالتاء) فالتاء للشجرة والياء للطعام
١٩٣


الصفحة التالية
Icon