﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلانسَـانِ إِلا مَا سَعَى ﴾ [النجم : ٣٩] إلا سعيه وهذه أيضاً مما في صحف إبراهيم وموسى، وأما ما صح في الأخبار من الصدقة عن الميت والحج عنه فقد قيل : إن سعي غيره لما لم ينفعه إلا مبنياً على سعي نفسه وهو أن يكون مؤمناً كان سعي غيره كأنه سعي نفسه لكونه تابعاً له وقائماً بقيامة، ولأن سعي غيره لا ينفعه إذا عمله لنفسه ولكن إذا نواه به فهو بحكم الشرع كالنائب عنه والوكيل القائم مقامه ﴿ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ﴾ [النجم : ٤٠] أي يرى هو سعيه يوم القيامة في ميزانه
٢٩٢
﴿ ثُمَّ يُجْزَاـاهُ ﴾ [النجم : ٤١] ثم يجزى العبد سعيه.
يقال : جزاه الله عمله وجزاه على عمله بحذف الجار وإيصال الفعل، ويجوز أن يكون الضمير للجزاء.
ثم فسره بقوله ﴿ الْجَزَآءَ الاوْفَى ﴾ [النجم : ٤١] أو أبدله عنه ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ﴾ [النجم : ٤٢] هذا كله في الصحف الأولى.
والمنتهى مصدر بمعنى الانتهاء أي ينتهي إليه الخلق ويرجعون إليه كقوله :﴿ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران : ٢٨] (آل عمران : ٨٢) ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾ [النجم : ٤٣] خلق الضحك والبكاء.
وقيل : خلق الفرح والحزن.
وقيل : أضحك المؤمنين في العقبى بالمواهب وأبكاهم في الدنيا بالنوائب و ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ﴾ [النجم : ٤٤] قيل : أمات الآباء وأحيا الأبناء، أو أمات بالكفر وأحيا بالإيمان، أو أمات هنا وأحيا ثمة ﴿ تَمَنَّى ﴾ إذا تدفق في الرحم يقال منى وأمنى ﴿ وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الاخْرَى ﴾ [النجم : ٤٧] الإحياء بعد الموت ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ﴾ [النجم : ٤٨] وأعطى القنية وهي المال الذي تأثلته وعزمت أن لا تخرجه من يدك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٢
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ﴾ [النجم : ٤٩] هو كوكب يطلع بعد الجوزاء في شدة الحر وكانت خزاعة تعبدها، فأعلم الله أنه رب معبودهم هذا ﴿ وَأَنَّهُا أَهْلَكَ عَادًا الاولَى ﴾ [النجم : ٥٠] هم قوم هود وعاد الأخرى إرم ﴿ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَـاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُا أَفَلا تَتَّقُونَ ﴾ مدني وبصري غير سهل بإدغام التنوين في اللام وطرح همزة ﴿ أُوْلِى ﴾ ونقل ضمتها إلى لام التعريف
٢٩٣
﴿ وَثَمُودَا فَمَآ أَبْقَى ﴾ حمزة وعاصم الباقون ﴿ وَثَمُودَا ﴾ وهو معطوف على ﴿ عَادًا ﴾ ولا ينصب بـ ﴿ فَمَآ أَبْقَى ﴾ [النجم : ٥١] لأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبله لا تقول : زيداً فضربت، وكذا ما بعد النفي لا يعمل فيما قبله، والمعنى وأهلك ثمود فما أبقاهم.
﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ ﴾ [الفرقان : ٣٧] أي أهلك قوم نوح ﴿ مِّن قَبْلُ ﴾ [يوسف : ٦] من قبل عاد وثمود ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى ﴾ [النجم : ٥٢] من عاد وثمود لأنهم كانوا يضربونه حتى لا يكون به حرام وينفرون عنه حتى كانوا يحذرون صبيانهم أن يسمعوا منه ﴿ وَالْمُؤْتَفِكَةَ ﴾ والقرى التي ائتفكت بأهلها أي انقلبت وهم قوم لوط يقال : أفكه فأتفك ﴿ أَهْوَى ﴾ أي رفعها إلى السماء على جناح جبريل ثم أهواها إلى الأرض أي أسقطها و منصوب بـ ﴿ وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى ﴾ [النجم : ٥٣] ﴿ فَغَشَّـاـاهَا ﴾ ألبسها ﴿ مَا غَشَّى ﴾ [النجم : ٥٤] تهويل وتعظيم لما صب عليها من العذاب وأمطر عليها من الصخر المنضود ﴿ فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكَ ﴾ [النجم : ٥٥] أيها المخاطب ﴿ تَتَمَارَى ﴾ تتشكك بما أولاك من النعم أو بما كفاك من النقم، أو بأي نعم ربك الدالة على وحدانيته وربوبيته تشكك ﴿ هَـاذَا نَذِيرٌ ﴾ [النجم : ٥٦] أي محمد منذر ﴿ مِّنَ النُّذُرِ الاولَى ﴾ [النجم : ٥٦] من المنذرين الأولين.
وقال ﴿ الاولَى ﴾ على تأويل الجماعة أو هذا القرآن نذير من النذر الأولى أي إنذار من جنس الإنذارات الأولى التي أنذر بها من قبلكم ﴿ أَزِفَتِ الازِفَةُ ﴾ [النجم : ٥٧] قربت الموصوفة بالقرب في قوله :﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ﴾ [القمر : ١] (القمر : ١) ﴿ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴾ [النجم : ٥٨] أي ليس لها نفس كاشفة أي مبينة متى تقوم كقوله :﴿ لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلا هُوَ ﴾ [الأعراف : ١٨٧] (الأعراف : ٧٨١).
أو ليس لها نفس كاشفة أي قادرة على كشفها إذا وقعت إلا الله تعالى غير أنه لا يكشفها
٢٩٤