﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ [القمر : ٣٤] يعني على قوم لوط ﴿ حَاصِبًا ﴾ ريحاً تحصبهم بالحجارة أي ترميهم ﴿ إِلا ءَالَ لُوطٍ ﴾ [الحجر : ٥٩] ابنتيه ومن آمن معه ﴿ نَّجَّيْنَـاهُم بِسَحَرٍ ﴾ [القمر : ٣٤] من الأسحار ولذا صرفه ـ ويقال : لقيته بسحر إذا لقيته في سحر يومه.
وقيل : هما سحران : فالسحر الأعلى قبل انصداع الفجر، والآخر عند انصداعه ﴿ نِعْمَتَ ﴾ مفعول له أي إنعاماً ﴿ مِّنْ عِندِنَا كَذَالِكَ نَجْزِى مَن شَكَرَ ﴾ [القمر : ٣٥] نعمة الله بإيمانه وطاعته ﴿ وَلَقَدْ أَنذَرَهُم ﴾ [القمر : ٣٦] لوط عليه السلام ﴿ بَطْشَتَنَا ﴾ أخذتنا بالعذاب ﴿ فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ ﴾ [القمر : ٣٦] فكذبوا بالنذر متشاكين ﴿ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ ﴾ [القمر : ٣٧] طلبوا الفاحشة من أضيافه ﴿ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ ﴾ [القمر : ٣٧] أعميناهم.
وقيل : مسحناها وجلناها كسائر الوجه لا يرى لها شق.
روي أنهم لما عالجوا باب لوط عليه السلام ليدخلوا قالت الملائكة : خلهم يدخلوا إنا رسل ربك لن يصلوا إليك، فصفقهم جبريل عليه السلام بجناحه صفقة فتركهم يترددون ولا يهتدون إلى الباب حتى أخرجهم لوط
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٨
﴿ فَذُوقُوا ﴾ فقلت لهم ذوقوا على ألسنة الملائكة ﴿ عَذَابِى وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً ﴾ أول النهار ﴿ عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ ﴾ [القمر : ٣٨] ثابت قد استقر عليهم إلى أن يفضي بهم إلى عذاب الآخرة.
وفائدة تكرير ﴿ فَذُوقُوا عَذَابِى وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ ﴾ أن يجددوا عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين ادكاراً واتعاظاً، وأن يستأنفوا تنبهاً
٣٠٢
واستيقاظاً إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه، وهذا حكم التكرير في قوله ﴿ فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن : ١٣] (الرحمن : ٣١) عند كل نعمة عدها، وقوله ﴿ وَيْلٌ يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات : ١٥] (المرسلات : ٥٢) عند كل آية أوردها، وكذلك تكرير الأنباء والقصص في أنفسها لتكون تلك العبر حاضرة للقلوب مصورة للأذهان مذكورة غير منسية في كل أوان.
﴿ وَلَقَدْ جَآءَ ءَالَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ ﴾ [القمر : ٤١] موسى وهرون وغيرهما من الأنبياء أو هو جمع نذير وهو الإنذار ﴿ كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَا كُلِّهَا ﴾ بالآيات التسع ﴿ فَأَخَذْنَـاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ ﴾ [القمر : ٤٢] لا يغالب ﴿ مُّقْتَدِرٍ ﴾ لا يعجزه شيء ﴿ أَكُفَّارُكُمْ ﴾ يا أهل مكة ﴿ خَيْرٌ مِّنْ أُوالَـائكُمْ ﴾ [القمر : ٤٣] الكفار المعدودين قوم نوح وهود وصالح ولوط وآل فرعون أي أهم خير قوة وآلة ومكانة في الدنيا أو أقل كفراً وعناداً يعني أن كفاركم مثل أولئك بل شر منهم ﴿ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِى الزُّبُرِ ﴾ [القمر : ٤٣] أم أنزلت عليكم يا أهل مكة براءة في الكتب المتقدمة أن من كفر منكم وكذب الرسل كان آمناً من عذاب الله فأمنتم بتلك البراءة؟ ﴿ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ ﴾ [القمر : ٤٤] جماعة أمرنا مجتمع ﴿ مُّنتَصِرٌ ﴾ ممتنع لا نرام ولا نضام ﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ ﴾ [القمر : ٤٥] جمع أهل مكة ﴿ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ [القمر : ٤٥] أي الأدبار كما قال :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٨
كلوا في بعض بطنكم تعفّوا
أي ينصرفون منهزمين يعني يوم بدر وهذه من علامات النبوة.
﴿ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ ﴾ [القمر : ٤٦] موعد عذابهم بعد بدر ﴿ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى ﴾ [القمر : ٤٦] أشد من موقف بدر والداهية الأمر المنكر الذي لا يهتدى لدوائه ﴿ وَأَمَرُّ ﴾ مذاقاً من عذاب الدنيا أو أشد من المرة.
٣٠٣
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٨


الصفحة التالية
Icon