﴿ فِي كِتَـابِ ﴾ [الانفال : ٧٥] أي اللوح المحفوظ ﴿ مَّكْنُونٍ ﴾ مصون عن أن يأتيه الباطل أو من غير المقربين من الملائكة لا يطلع عليه من سواهم ﴿ لا يَمَسُّهُا إِلا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ [الواقعة : ٧٩] من جميع الأدناس أدناس الذنوب وغيرها إن جعلت الجملة صفة لـ ﴿ كِتَـابٍ مَّكْنُونٍ ﴾ [الواقعة : ٧٨] وهو اللوح، وإن جعلتها صفة للقرآن فالمعنى لا ينبغي أن يمسه إلا من هو على الطهارة من الناس والمراد مس المكتوب منه ﴿ تَنزِيلٌ ﴾ صفة رابعة للقرآن أي منزل ﴿ مِّن رَّبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [الأعراف : ٦١] أو وصف بالمصدر لأنه نزل نجوماً من بين سائر كتب الله فكأنه في نفسه تنزيل ولذلك جرى مجرى بعض أسمائه فقيل : جاء في التنزيل كذا ونطق به التنزيل، أو هو تنزيل على حذف المبتدأ.
﴿ أَفَبِهَـاذَا الْحَدِيثِ ﴾ [الواقعة : ٨١] أي القرآن ﴿ أَنتُم مُّدْهِنُونَ ﴾ [الواقعة : ٨١] متهاونون به كمن يدهن في بعض الأمر أي يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاوناً به ﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ [الواقعة : ٨٢] أي تجعلون شكر رزقكم التكذيب أي وضعتم التكذيب موضع الشكر.
وفي قراءة علي رضي الله عنه وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ أي تجعلون شكركم لنعمة القرآن أنكم تكذبون به.
وقيل : نزلت في الأنواء ونسبتهم السقيا إليهم والرزق المطر أي وتجعلون شكر ما يرزقكم الله من الغيث أنكم تكذبون بكونه من الله حيث تنسبونه إلى النجوم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢٤
﴿ فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ ﴾ [الواقعة : ٨٣] النفس أي الروح عند الموت ﴿ الْحُلْقُومَ ﴾ ممر الطعام والشراب ﴿ وَأَنتُمْ حِينَـاـاِذٍ تَنظُرُونَ ﴾ [الواقعة : ٨٤] الخطاب لمن حضر الميت تلك الساعة ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ ﴾ [ق : ١٦] إلى المحتضر ﴿ مِنكُمْ وَلَـاكِن لا تُبْصِرُونَ ﴾ [الواقعة : ٨٥] لا تعقلون ولا تعلمون ﴿ فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ﴾ [الواقعة : ٨٦] مربوبين من دان السلطان الرعية إذا ساسهم ﴿ تَرْجِعُونَهَآ ﴾ تردون النفس وهي الروح إلى الجسد بعد بلوغ الحلقوم ﴿ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ﴾ [البقرة : ٢٣] أنكم غير مربوبين مقهورين.
﴿ فَلَوْلا ﴾ في الآيتين للتحضيض يستدعي فعلاً وذا قوله ﴿ تَرْجِعُونَهَآ ﴾ واكتفى بذكره مرة، وترتيب الآية فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين، و ﴿ فَلَوْلا ﴾ الثانية مكررة للتأكيد ونحن أقرب إليه منكم يا أهل الميت بقدرتنا وعلمنا أو بملائكة الموت، والمعنى أنكم في جحودكم آيات الله في كل شيء، إن أنزل عليكم كتاباً معجزاً قلتم سحر وافتراء، وإن أرسل إليكم رسولاً
٣٢٦
صادقاً قلتم ساحر كذاب، وإن رزقكم مطراً يحييكم به قلتم صدق نوء كذا على مذهب يؤدي إلى الإهمال والتعطيل، فما لكم لا ترجعون الروح إلى البدن بعد بلوغه الحلقوم إن لم يكن ثمة قابض وكنتم صادقين في تعطيلكم وكفركم بالمحيي المميت المبدىء المعيد؟.