﴿ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ﴾ [الحديد : ٢٥] وهو القتال به ﴿ وَمَنَـافِعُ لِلنَّاسِ ﴾ [البقرة : ٢١٩] في مصالحهم ومعايشهم وصنائعهم فما من صناعة إلا والحديد آلة فيها أو ما يعمل بالحديد ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ ﴾ [الحديد : ٢٥] باستعمال السيوف والرماح وسائر السلاح في مجاهدة أعداء الدين.
وقال الزجاج : ليعلم الله من يقاتل مع رسوله في سبيله ﴿ بِالْغَيْبِ ﴾ غائباً عنهم ﴿ إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ ﴾ [الانفال : ٥٢] يدفع بقوته بأس من يعرض عن ملته ﴿ عَزِيزٌ ﴾ يربط بعزته جأش من يتعرض لنصرته.
والمناسبة بين هذه الأشياء الثلاثة أن الكتاب قانون الشريعة ودستور الأحكام الدينية يبين سبل المراشد والعهود ويتضمن جوامع الأحكام والحدود، ويأمر بالعدل والإحسان وينهي عن البغي والطغيان، واستعمال العدل والاجتناب عن الظلم إنما يقع بآلة يقع بها التعامل ويحصل بها التساوي والتعادل وهي الميزان.
ومن المعلوم أن الكتاب الجامع للأوامر الإلهية والآلة الموضوعة للتعامل بالسوية إنما تحض العامة على اتباعهما بالسيف الذي هو حجة الله على من جحد وعند، ونزع عن صفقة الجماعة اليد.
وهو الحديد الذي وصف بالبأس الشديد.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ ﴾ [الحديد : ٢٦] خصا بالذكر لأنهما أبوان للأنبياء عليهم السلام ﴿ وَجَعَلْنَا فِى ذُرِّيَّتِهِمَا ﴾ [الحديد : ٢٦] أولادهما ﴿ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَـابَ ﴾ [الحديد : ٢٦] الوحي.
وعن ابن عباس رضي
٣٣٧
الله عنهما : الخط بالقلم.
يقال : كتب كتاباً وكتابة ﴿ فَمِنْهُم ﴾ فمن الذرية أو من المرسل إليهم وقد دل عليهم ذكر الإرسال والمرسلين ﴿ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَـاسِقُونَ ﴾ [الحديد : ٢٦] هذا تفصيل لحالهم أي فمنهم من اهتدى باتباع الرسل، ومنهم من فسق أي خرج عن الطاعة والغلبة للفساق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٦
﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى ءَاثَـارِهِم ﴾ [الحديد : ٢٧] أي نوح وإبراهيم ومن مضى من الأنبياء ﴿ رَأْفَةً ﴾ مودة وليناً ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ تعطفاً على إخوانهم كما قال في صفة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم ﴿ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح : ٢٩] (الفتح : ٩٢) ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ﴾ هي ترهبهم في الجبال فارّين من الفتنة في الدين مخلصين أنفسهم للعبادة وهي الفعلة المنسوبة إلى الرهبان وهو الخائف.
فعلان من رهب كخشيان من خشي.
وانتصابها بفعل مضمر يفسره الظاهر تقديره وابتدعوا رهبانية ﴿ ابتَدَعُوهَا ﴾ أي أخرجوها من عند أنفسهم ونذروها ﴿ مَا كَتَبْنَـاهَا عَلَيْهِمْ ﴾ [الحديد : ٢٧] لم نفرضها نحن عليهم ﴿ إِلا ابْتِغَآءَ رِضْوَانِ اللَّهِ ﴾ [الحديد : ٢٧] استثناء منقطع أي ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله ﴿ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾ [الحديد : ٢٧] كما يجب على الناذر رعاية نذره لأنه عهد مع الله لا يحل نكثه ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى ءَاثَـارِهِم بِرُسُلِنَا ﴾ [الحديد : ٢٧] أي أهل الرأفة والرحمة الذين اتبعوا عيسى عليه السلام و الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلّم ﴿ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَـاسِقُونَ ﴾ [الحديد : ١٦] الكافرون.