﴿ عَلَيْهَا ﴾ يلي أمرها وتعذيب أهلها ﴿ مَلَـائكَةٌ ﴾ يعني الزبانية التسعة عشر وأعوانهم ﴿ غِلاظٌ شِدَادٌ ﴾ [التحريم : ٦] في أجرامهم غلظة وشدة أو غلاظ الأقوال شداد الأفعال ﴿ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ﴾ [التحريم : ٦] في موضع الرفع على النعت ﴿ مَآ أَمَرَهُمْ ﴾ [التحريم : ٦] في محل النصب على البدل أي لا يعصون ما أمر الله أي أمره كقوله ﴿ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى ﴾ [طه : ٩٣] (طه : ٣٩) أو لا يعصونه فيما أمرهم ﴿ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [النحل : ٥٠] وليست الجملتان في معنى واحد، إذ معنى الأولى أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها، ومعنى الثانية أنهم يؤدون ما يؤمرون به ولا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه ﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التحريم : ٧] في الدنيا أي يقال لهم ذلك عند دخولهم النار لا تعتذروا لأنه لا عذر لكم، أو لأنه لا ينفعكم الاعتذار.
﴿ تَعْمَلُونَ * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ﴾ صادقة عن الأخفش رحمه الله.
وقيل : خالصة.
يقال : عسل ناصح إذا خلص من الشمع.
وقيل : نصوحاً من نصاحة الثوب أي توبة ترفو خروقك في دينك وترم خللك، ويجوز أن يراد توبة تنصح الناس أي تدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها في صاحبها، واستعماله الجد والعزيمة في العمل على مقتضياتها، وبضم النون : حماد ويحيى وهو مصدر أي ذات نصوح أو تنصح نصوحاً وجاء مرفوعاً " إن التوبة النصوح أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب إلى أن يعود اللبن في الضرع " وعن حذيفة : بحسب الرجل من الشر أن يتوب عن الذنب ثم يعود فيه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هي الاستغفار باللسان والندم بالجنان والإقلاع بالإركان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٤
﴿ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّـاَاتِكُمْ ﴾ [التحريم : ٨] هذا على ما جرت به عادة الملوك من الإجابة بـ " عسى " و " لعل " ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت ﴿ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ ﴾ [الصف : ١٢] ونصب ﴿ يَوْمَ ﴾ بيدخلكم
٣٩٧
﴿ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ ﴾ فيه تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر ﴿ نُورُهُمْ ﴾ مبتدأ ﴿ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـانِهِمْ ﴾ [التحريم : ٨] في موضع الخبر ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا ﴾ [التحريم : ٨] يقولون ذلك إذا انطفأ نور المنافقين ﴿ الْكُفَّارَ ﴾ بالسيف ﴿ وَالْمُنَـافِقِينَ ﴾ بالقول الغليظ والوعد البليغ.
وقيل : بإقامة الحدود عليهم ﴿ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ [التوبة : ٧٣] على الفريقين فيما تجاهدهما به من القتال والمحاجة باللسان ﴿ وَمَأْوَاـاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [التوبة : ٧٣].
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٤
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَـالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شيئا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ [التحريم : ١٠] مثل الله عز وجل حال الكفار في أنهم يعاقبون على كفرهم وعداوتهم للمؤمنين بلا محاباة، ولا ينفعهم مع عداوتهم لهم ما كان بينهم وبينهم من النسب والمصاهرة وإن كان المؤمن الذي يتصل به الكافر نبياً بحال امرأة نوح وامرأة لوط لما نافقتا وخانتا الرسولين بإفشاء أسرارهما، فلم يغن الرسولان عنهما أي عن المرأتين بحق ما بينهما وبينهما من الزواج اغناء ما من عذاب الله.
وقيل لهما عند موتهما أو يوم القيامة : ادخلا النار مع سائر الداخلين الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء، أو مع داخليها من إخوانكما من قوم نوح وقوم لوط.