إنكاري عليهم إذ أهلكتهم.
ثم نبه على قدرته على الخسف وإرسال الحاصب بقوله ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ ﴾ [الملك : ١٩] جمع طائر ﴿ فَوْقَهُمْ ﴾ في الهواء ﴿ صَـافَّـاتٍ ﴾ باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانهن ﴿ وَيَقْبِضْنَ ﴾ ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن.
و معطوف على اسم الفاعل حملاً على المعنى أي يصففن ويقبضن، أو صافات وقابضات.
واختيار هذا التركيب باعتبار أن أصل الطيران هو صف الأجنحة، لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والهواء للطائر كالماء للسابح.
والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها، وأما القبض فطارىء على البسط للاستظهار به على التحرك فجيء بما هو طارىء بلفظ الفعل على معنى أنهن صافات ويكون منهن القبض تارة بعد تارة كما يكون من السابح ﴿ السَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ ﴾ [النحل : ٧٩] عن الوقوع عند القبض والبسط ﴿ إِلا الرَّحْمَـانُ ﴾ [الملك : ١٩] بقدرته وإلا فالثقيل يتسفل طبعاً ولا يعلو، وكذا لو أمسك حفظه وتدبيره عن العالم لتهافتت الأفلاك و ﴿ مَا يُمْسِكُهُنَّ ﴾ [النحل : ٧٩] مستأنف وإن جعل حالاً من الضمير في يجوز ﴿ الرَّحْمَـانُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْء بَصِيرٌ ﴾ [الملك : ١٩] يعلم كيف يخلق وكيف يدبر العجائب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٠
﴿ مِنَ ﴾ مبتدأ خبره ﴿ هَـاذَا ﴾ ويبدل من ﴿ هَـاذَا ﴾ ﴿ الَّذِى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ ﴾ [الملك : ٢٠] ومحل ﴿ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَـانِ ﴾ [الملك : ٢٠] رفع نعت لـ ﴿ جُندٌ ﴾ محمول على اللفظ والمعنى من المشار إليه بالنصر غير الله تعالى ﴿ إِنِ الْكَـافِرُونَ إِلا فِى غُرُورٍ ﴾ [الملك : ٢٠] أي ما هم إلا في غرور ﴿ أَمَّنْ هَـاذَا الَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ﴾ [الملك : ٢١] أم من يشار إليه ويقال هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه وهذا على التقدير، ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأوثان لاعتقادهم أنهم يحفظون من النوائب ويرزقون ببركة آلهتهم فكأنهم الجند الناصر والرازق.
فلما لم يتعظوا أضرب عنهم فقال ﴿ بَل لَّجُّوا ﴾ [الملك : ٢١] تمادوا ﴿ فِى عُتُوٍّ ﴾ [الملك : ٢١] استكبار عن الحق
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٥
﴿ وَنُفُورٍ ﴾ وشراد عنه لثقله عليهم فلم يتبعوه.
ثم ضرب مثلاً للكافر والمؤمنين فقال
٤٠٥
﴿ أَفَمَن يَمْشِى مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ ﴾ [الملك : ٢٢] أي ساقطاً على وجهه يعثر كل ساعة ويمشي معتسفاً وخبر من ﴿ أَهْدَى ﴾ أرشد.
فأكب مطاوع كبه يقال : كببته فأكب ﴿ أَمَّن يَمْشِى سَوِيًّا ﴾ [الملك : ٢٢] مستوياً منتصباً سالماً من العثور والخرور ﴿ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [الأنعام : ٣٩] على طريق مستوٍ.
وخبر ﴿ مِنَ ﴾ محذوف لدلالة ﴿ أَهْدَى ﴾ عليه، وعن الكلي : عني بالمكب أو جهل، وبالسوي النبي عليه السلام ﴿ قُلْ هُوَ الَّذِى أَنشَأَكُمْ ﴾ [الملك : ٢٣] خلقكم ابتداء ﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالابْصَـارَ وَالافْـاِدَةَ ﴾ [النحل : ٧٨] خصها لأنها آلات العلم ﴿ قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ [الأعراف : ١٠] هذه النعم لأنكم تشركون بالله ولا تخلصون له العبادة، والمعنى تشكرون شكراً قليلاً و " ما " زائدة.
وقيل : القلة عبارة عن العدم ﴿ قُلْ هُوَ الَّذِى ذَرَأَكُمْ ﴾ [الملك : ٢٤] خلقكم ﴿ فِى الارْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [المؤمنون : ٧٩] للحساب والجزاء ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ أي الكافرون للمؤمنين استهزاء ﴿ مَتَى هَـاذَا الْوَعْدُ ﴾ [يونس : ٤٨] الذي تعدوننا به يعني العذاب ﴿ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ﴾ [البقرة : ٢٣] في كونه فأعلمونا زمانه.
﴿ قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ ﴾ [الملك : ٢٦] أي علم وقت العذاب ﴿ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَا نَذِيرٌ ﴾ [العنكبوت : ٥٠] مخوّف ﴿ مُّبِينٌ ﴾ أبين لكم الشرائع ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ ﴾ [الملك : ٢٧] أي الوعد يعني العذاب الموعود ﴿ زُلْفَةً ﴾ قريباً منهم وانتصابها على الحال ﴿ سِيائَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الملك : ٢٧] أي ساءت رؤية الوعد وجوههم بأن علتها الكآبة والمساءة وغشيتها القترة والسواد ﴿ وَقِيلَ هَـاذَا الَّذِى ﴾ [الملك : ٢٧] القائلون الزبانية ﴿ كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ ﴾ [الملك : ٢٧] تفتعلون من الدعاء أي تسألون تعجيله وتقولون ائتنا بما تعدنا، أو هو من الدعوى أي كنتم بسببه تدعون أنكم لا تبعثون وقرأ يعقوب ﴿ تَدَّعُونَ ﴾.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٥


الصفحة التالية
Icon