﴿ قَالُوا ابْنُوا لَهُ ﴾ [الصافات : ٩٧] أي لأجله ﴿ بُنْيَـانًا ﴾ من الحجر طوله ثلاثون ذراعاً وعرضه عشرون ذراعاً ﴿ فَأَلْقُوهُ فِى الْجَحِيمِ ﴾ [الصافات : ٩٧] في النار الشديدة.
وقيل : كل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم ﴿ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا ﴾ [الصافات : ٩٨] بإلقائه في النار ﴿ فَجَعَلْنَـاهُمُ الاسْفَلِينَ ﴾ [الصافات : ٩٨] المقهورين عند الإلقاء فخرج من النار ﴿ وَقَالَ إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى ﴾ [الصافات : ٩٩] إلى موضع أمرني بالذهاب إليه ﴿ سَيَهْدِينِ ﴾ سيرشدني إلى ما فيه صلاحي في ديني ويعصمني ويوفقني.
فيهما : يعقوب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧
﴿ سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِى مِنَ الصَّـالِحِينَ ﴾ [الصافات : ١٠٠] بعض الصالحين يريد الولد لأن لفظ الهبة غلب في الولد ﴿ فَبَشَّرْنَـاهُ بِغُلَـامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات : ١٠١] انطوت البشارة على ثلاث : على أن الولد غلام ذكر، وأنه يبلغ أوان الحلم لأن الصبي لا يوصف بالحلم، وأنه يكون حليماً وأي حلم أعظم من حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح فقال :﴿ سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّـابِرِينَ ﴾ [الصافات : ١٠٢].
ثم استسلم لذلك.
﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ ﴾ [الصافات : ١٠٢] بلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه.
و ﴿ مَعَهُ ﴾ لا يتعلق بـ ﴿ بَلَغَ ﴾ لاقتضائه بلوغهما معاً حد السعي، ولا بـ ﴿ السَّعْىَ ﴾ لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه، فبقي أن يكون بياناً كأنه لما قال :﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ ﴾ أي الحد الذي يقدر فيه على السعي قيل : مع من؟ قال : مع أبيه وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة ﴿ قَالَ يَـابُنَىَّ ﴾ [الصافات : ١٠٢] حفص والباقون بكسر الياء ﴿ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ ﴾ وبفتح الياء فيهما : حجازي وأبو عمرو.
قيل له في المنام : اذبح ابنك ورؤيا الأنبياء وحي كالوحي في اليقظة.
وإنما لم يقل رأيت لأنه رأى مرة بعد مرة فقد قيل : رأى ليلة التروية كأن قائلاً يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا.
فلما أصبح روّى في ذلك من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا الحلم أم من الشيطان فمن ثمّ سمي يوم الترويه.
فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله فمن ثمّ سمي يوم عرفة.
ثم رأى مثل ذلك في
٤٠
الليلة الثالثة فهم بنحره فسمى اليوم يوم النحر ﴿ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾ [الصافات : ١٠٢] من الرأي على وجه المشاورة لا من رؤية العين، ولم يشاوره ليرجع إلى رأيه ومشورته ولكن ليعلم أيجزع أم يصبر.
﴿ تَرَى ﴾ علي وحمزة أي ماذا تصبر من رأيك وتبديه ﴿ قَالَ يَـا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ ﴾ [الصافات : ١٠٢] أي ما تؤمر به وقرىء به ﴿ سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّـابِرِينَ ﴾ [الصافات : ١٠٢] على الذبح.
روي أن الذبيح قال لأبيه : يا أبت خذ بناصيتي واجلس بين كتفي حتى لا أوذيك إذا أصابتني الشفرة، ولا تذبحني وأنت تنظر في وجهي عسى أن ترحمني، واجعل وجهي إلى الأرض.
ويروى اذبحني وأنا ساجد واقرأ على أمي السلام، وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسهل لها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧
﴿ فَلَمَّآ أَسْلَمَا ﴾ [الصافات : ١٠٣] انقادا لأمر الله وخضعا.
وعن قتادة : أسلم هذا ابنه وهذا نفسه ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [الصافات : ١٠٣] صرعه على جبينه ووضع السكين على حلقه فلم يعمل، ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين ونودي يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.
روي أن ذلك المكان عند الصخرة التي بمنى.
وجواب " لما " محذوف تقديره فلما أسلما وتله للجبين ﴿ وَنَـادَيْنَـاهُ أَن يَـاإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّءْيَآ ﴾ أي حققت ما أمرناك به في المنام من تسليم الولد للذبح كان ما كان مما ينطق به الحال ولا يحيط به الوصف من استبشارهما وحمدهما لله وشكرهما على ما أنعم به عليهما من دفع البلاء العظيم بعد حلوله، أو الجواب قبلنا منه و معطوف عليه ﴿ الْعَـالَمِينَ * إِنَّا كَذَالِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الصافات : ٨٠] تعليل لتخويل ما خولهما من الفرج بعد الشدة ﴿ إِنَّ هَـاذَا لَهُوَ الْبَلَـاؤُا الْمُبِينُ ﴾ الاختبار البين الذي يتميز فيه المخلصون من غيرهم أو المحنة البينة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١