والرجاء هنا الخوف لأن مع الرجاء طرفاً من الخوف ومن اليأس والوقار العظمة، أو لا تأملون له توقيراً أي تعظيماً.
والمعنى ما لكم لا تكونون على حال تأملون فيها تعظيم الله إياكم في دار الثواب ﴿ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾ [نوح : ١٤] في موضع الحال أي ما لكم لا تؤمنون بالله والحال هذه، وهي حال موجبة للإيمان به لأنه خلقكم أطواراً أي تارات وكرّاتٍ خلقكم أولاً نطفاً ثم خلقكم علقاً ثم خلقكم مضغاً ثم خلقكم عظاماً ولحماً، نبههم أولاً على النظر في أنفسكم لأنها أقرب، ثم على النظر في العالم وما سوّى فيه من العجائب الدالة على الصانع بقوله ﴿ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَـاوَاتٍ طِبَاقًا ﴾ [نوح : ١٥] بعضاً على بعض ﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا ﴾ [نوح : ١٦] أي في السماوات وهو في السماء الدنيا، لأن بين السماوات ملابسة من حيث إنها طباق وجاز أن يقال فيهن كذا وإن لم يكن في جميعهن كما يقال : في المدينة كذا وهو في بعض نواحيها.
وعن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم.
أن الشمس والقمر وجوههما مما يلي السماوات، وظهورهما مما يلي الأرض، فيكون نور القمر محيطاً بجميع السماوات لأنها لطيفة لا تحجب نوره ﴿ وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ [نوح : ١٦] مصباحاً يبصر أهل الدنيا في ضوئها كما يبصر أهل البيت في ضوء السراج ما يحتاجون إلى إبصاره، وضوء الشمس أقوى من نور القمر، وأجمعوا على أن الشمس في السماء الرابعة ﴿ وَاللَّهُ أَنابَتَكُم مِّنَ الارْضِ ﴾ [نوح : ١٧] أنشأكم استعير الإنبات للإنشاء ﴿ نَبَاتًا ﴾ فنبتم نباتاً ﴿ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا ﴾ [نوح : ١٨] بعد الموت ﴿ وَيُخْرِجُكُمْ ﴾ يوم القيامة ﴿ إِخْرَاجًا ﴾ أكده بالمصدر أي أيّ إخراج ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ بِسَاطًا ﴾ [نوح : ١٩] مبسوطة ﴿ لِّتَسْلُكُوا مِنْهَا ﴾ [نوح : ٢٠] لتتقلبوا عليها كما يتقلب الرجل على بساطه ﴿ سُبُلا ﴾ طرقاً ﴿ فِجَاجًا ﴾ واسعة أو مختلفة.
٤٣٤
﴿ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِى ﴾ [نوح : ٢١] فيما أمرتهم به من الإيمان والاستغفار ﴿ وَاتَّبَعُوا ﴾ أي السفلة والفقراء ﴿ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ ﴾ [نوح : ٢١] أي الرؤساء وأصحاب الأموال والأولاد ﴿ وَوَلَدُهُ ﴾ مكي وعراقي غير عاصم وهو جمع ولد كأسد وأسد ﴿ اإِلا خَسَارًا ﴾ [الإسراء : ٨٢] في الآخرة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٣١
﴿ وَمَكَرُوا ﴾ معطوف على ﴿ لَّمْ يَزِدْهُ ﴾ [نوح : ٢١] وجمع الضمير وهو راجع إلى " من " لأنه في معنى الجمع.
والماكرون هم الرؤساء، ومكرهم احتيالهم في الدنيا وكيدهم لنوح وتحريش الناس على أذاه وصدهم عن الميل إليه ﴿ مَكْرًا كُبَّارًا ﴾ [نوح : ٢٢] عظيماً وهو أكبر من الكبار وقرىء به وهو أكبر من الكبير ﴿ وَقَالُوا ﴾ أي الرؤساء لسفلتهم ﴿ لا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ ﴾ [نوح : ٢٣] على العموم أي عبادتها ﴿ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا ﴾ [نوح : ٢٣] بفتح الواو وضمها وهو قراءة نافع، لغتان : صنم على صورة رجل ﴿ وَلا سُوَاعًا ﴾ [نوح : ٢٣] هو على صورة امرأة ﴿ وَلا يَغُوثَ ﴾ [نوح : ٢٣] هو على صورة أسد ﴿ وَيَعُوقَ ﴾ هو على صورة فرس وهما لا ينصرفان للتعريف ووزن الفعل إن كانا عربيين، وللتعريف والعجمة إن كانا أعجميين ﴿ وَنَسْرًا ﴾ هو على صورة نسر أي هذه الأصنام الخمسة على الخصوص، وكأنها كانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم فخصوها بعد العموم، وقد انتقلت هذه الأصنام عن قوم نوح إلى العرب ؛ فكان ود لكلب، وسواع لهمدان، ويغوث لمذحج، ويعوق لمراد، ونسر لحمير.
وقيل : هي أسماء رجال صالحين كان الناس يقتدون بهم بين آدم ونوح، فلما ماتوا صوروهم ليكون ذلك أدعى لهم إلى العبادة، فلما طال الزمان قال لهم إبليس : إنهم كانوا يعبدونهم فعبدوهم
٤٣٥