﴿ قُلْ إِنِّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ ﴾ [الجن : ٢٢] لن يدفع عني عذابه أحد إن عصيته كقول صالح عليه السلام :﴿ فَمَن يَنصُرُنِى مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ ﴾ [هود : ٦٣] (هود : ٣٦) ﴿ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴾ [الجن : ٢٢] ملتجأ.
﴿ إِلا بَلَـاغًا مِّنَ اللَّهِ ﴾ [الجن : ٢٣] استثناء من ﴿ لا أَمْلِكُ ﴾ [المائدة : ٢٥] أي لا أملك لكم ضراً ولا رشداً إلا بلاغاً من الله و ﴿ قُلْ إِنِّى لَن ﴾ اعتراض لتأكيد نفي الاستطاعة عن نفسه وبيان عجزه.
وقيل :﴿ إِلا بَلَـاغًا ﴾ [الجن : ٢٣] بدل من ﴿ مُلْتَحَدًا ﴾ أي لن أجد من دونه منجى إلا أن أبلغ عنه ما أرسلني به يعني لا ينجيني إلا أن أبلغ عن الله ما أرسلت به فإن ذلك ينجيني.
وقال الفراء : هذا شرط وجزاء وليس باستثناء و " إن " منفصلة من " لا " وتقديره : أن لا أبلغ
٤٤٢
بلاغاً أي إن لم أبلغ لم أجد من دونه ملتجأ ولا مجيراً لي كقولك إن لا قياماً فقعوداً، والبلاغ في هذه الوجوه بمعنى التبليغ ﴿ وَرِسَـالَـاتِهِ ﴾ عطف على ﴿ بَلَـاغًا ﴾ كأنه قيل : لا أملك لكم إلا التبليغ والرسالات أي إلا أن أبلغ عن الله فأقول قال الله كذا ناسباً لقوله إليه، وأن أبلغ رسالته التي أرسلني بها بلا زيادة ونقصان.
و " من " ليست بصلة للتبليغ لأنه يقال : بلّغ عنه، إنما هي بمنزلة " من " في ﴿ بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ١] (التوبة : ١) أي بلاغاً كائناً من الله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٤٠
﴿ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [الجن : ٢٣] في ترك القبول، لما أنزل على الرسول لأنه ذكر على أثر تبليغ الرسالة ﴿ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَـالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ﴾ [الجن : ٢٣] وحد في قوله ﴿ لَهُ ﴾ وجمع في ﴿ خَـالِدِينَ ﴾ للفظ من ومعناه ﴿ حَتَّى ﴾ يتعلق بمحذوف دلت عليه الحال كأنه قيل : لا يزالون على ما هم عليه حتى ﴿ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ ﴾ [مريم : ٧٥] من العذاب ﴿ فَسَيَعْلَمُونَ ﴾ عند حلول العذاب بهم ﴿ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا ﴾ [الجن : ٢٤] أهم أم المؤمنون؟ أي الكافر لا ناصر له يومئذ والمؤمن ينصره الله وملائكته وأنبياؤه ﴿ قُلْ إِنْ أَدْرِى ﴾ [الجن : ٢٥] ما أدري ﴿ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾ [الجن : ٢٥] من العذاب ﴿ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّى ﴾ [الجن : ٢٥] وبفتح الياء : حجازي وأبو عمرو ﴿ أَمَدًا ﴾ غاية بعيدة يعني أنكم تعذبون قطعاً ولكن لا أدري أهو حالّ أم مؤجل ﴿ عَـالِمُ الْغَيْبِ ﴾ [الجن : ٢٦] هو خبر مبتدأ أي هو عالم الغيب ﴿ فَلا يُظْهِرُ ﴾ [الجن : ٢٦] فلا يطلع ﴿ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ﴾ [الجن : ٢٦] من خلقه ﴿ إِلا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ﴾ [الجن : ٢٧] إلا رسولاً قد ارتضاه لعلم بعض الغيب ليكون إخباره عن الغيب معجزة له فإن يطلعه على غيبة ما شاء.
و ﴿ مِن رَّسُولٍ ﴾ [إبراهيم : ٤] بيان لـ ﴿ مَنِ ارْتَضَى ﴾ [الجن : ٢٧] والولي إذا أخبر بشيء فظهر فهو غير جازم عليه، ولكنه أخبر بناء على رؤياه أو بالفراسة على أن كل كرامة للولي فهي معجزة للرسول.
وذكر في التأويلات قال بعضهم في هذه الآية بدلالة تكذيب المنجمة وليس كذلك فإن فيهم من يصدق خبره، وكذلك المتطببة يعرفون طبائع
٤٤٣
النبات وذا لا يعرف بالتأمل فعلم بأنهم وقفوا على علمه من جهة رسول انقطع أثره وبقي علمه في الخلق.
﴿ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ ﴾ [الجن : ٢٧] يدخل ﴿ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ﴾ [فصلت : ٤٢] يدي رسول ﴿ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴾ [الجن : ٢٧] حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين ويعصمونه من وساوسهم وتخاليطهم حتى يبلغ الوحي ﴿ لِّيَعْلَمَ ﴾ الله ﴿ أَن قَدْ أَبْلَغُوا ﴾ [الجن : ٢٨] أي الرسل ﴿ رِسَـالَـاتِ رَبِّهِمْ ﴾ [الجن : ٢٨] كاملة بلا زيادة ولا نقصان إلى المرسل إليهم أي ليعلم الله ذلك موجوداً حال وجوده كما كان يعلم ذلك قبل وجوده أنه يوجد، وحد الضمير في ﴿ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ﴾ [فصلت : ٤٢] للفظ " من "، وجمع في ﴿ أَبْلَغُوا ﴾ لمعناه ﴿ وَأَحَاطَ ﴾ الله ﴿ بِمَا لَدَيْهِمْ ﴾ [المؤمنون : ٥٣] بما عند الرسل من العلم ﴿ وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَدَا ﴾ [الجن : ٢٨] من القطر والرمل وورق الأشجار وزبد البحار، فكيف لا يحيط بما عند الرسل من وحيه وكلامه؟ و ﴿ عَدَدًا ﴾ حال أي وعلم كل شيء معدوداً محصوراً أو مصدر في معنى إحصاء.
٤٤٤


الصفحة التالية
Icon