﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى ﴾ [المزمل : ٢٠] أقل فاستعير الأدنى وهو الأقرب للأقل لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الأحياز، وإذا بعدت كثر ذلك ﴿ مِن ثُلُثَىِ الَّيْلِ ﴾ [المزمل : ٢٠] بضم اللام : سوى هشام ﴿ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ ﴾ [المزمل : ٢٠] منصوبان عطف على مكي وكوفي، ومن جرهما عطف على ﴿ مِن ثُلُثَىِ ﴾ [المزمل : ٢٠] ﴿ وَطَآ ـاِفَةٌ ﴾ عطف على الضمير في ﴿ تَقُومُ ﴾ وجاز بلا توكيد لوجود الفاصل ﴿ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ﴾ [المزمل : ٢٠] أي ويقوم ذلك المقدار جماعة من أصحابك ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الانْهَـارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ ﴾ أي ولا يقدر على تقدير الليل والنهار ولا يعلم مقادير ساعاتهما إلا الله وحده.
وتقديم اسمه عز وجل مبتدأ مبنياً عليه هو الدال على أنه مختص بالتقدير، ثم إنهم قاموا حتى انتفخت أقدامهم فنزل ﴿ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ ﴾ [المزمل : ٢٠] لن تطيقوا قيامه على هذه المقادير إلا بشدة ومشقة وفي ذلك حرج ﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة : ٥٤] فخفف عليكم وأسقط عنكم فرض قيام الليل ﴿ فَاقْرَءُوا ﴾ في الصلاة والأمر للوجوب أو في غيرها والأمر للندب ﴿ مَا تَيَسَّرَ ﴾ [المزمل : ٢٠] عليكم ﴿ مِنَ الْقُرْءَانِ ﴾ [المزمل : ٢٠] روى أبو حنيفة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : من قرأ مائة آية في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائتي آية كتب من القانتين.
وقيل : أراد بالقرآن الصلاة لأنه بعض أركانها أي فصلوا ما تيسر عليكم ولم يتعذر من صلاة الليل وهذا ناسخ للأول، ثم نسخ هذا بالصلوات الخمس، ثم بين الحكمة في النسخ وهي تعذر القيام على المرضى والمسافرين والمجاهدين فقال ﴿ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم ﴾ [المزمل : ٢٠] أي أنه مخففة من الثقيلة والسين بدل من تخفيفها وحذف اسمها ﴿ مَّرْضَى ﴾ فيشق عليهم قيام الليل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٤٧
﴿ وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الارْضِ ﴾ يسافرون ﴿ يَبْتَغُونَ ﴾ حال من ضمير ﴿ يَضْرِبُونَ ﴾ ﴿ مِن فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [يوسف : ٣٨] رزقه بالتجارة أو طلب العلم ﴿ وَءَاخَرُونَ يُقَـاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ سوّى بين المجاهد والمكتسب لأن كسب الحلال جهاد.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : أيما رجل جلب شيئاً إلى مدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً فباعه بسعر يومه كان عند الله من الشهداء.
وقال
٤٤٩
ابن عمر رضي الله عنهما : ما خلق الله موتة أموتها بعد القتل في سبيل الله أحب إليّ من أن أموت بين شعبتي رجل أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله ﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ [المزمل : ٢٠] كرر الأمر بالتيسير لشدة احتياطهم ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا ﴾ [البقرة : ٨٣] المفروضة ﴿ وَءَاتُوا الزكاة ﴾ الواجبة ﴿ وَأَقْرِضُواُ اللَّهَ ﴾ [المزمل : ٢٠] بالنوافل.
والقرض لغة : القطع فالمقرض يقطع ذلك القدر من ماله فيدفعه إلى غيره، وكذا المتصدق يقطع ذلك القدر من ماله فيجعله لله تعالى، وإنما أضافه إلى نفسه لئلا يمن على الفقير فيما تصدق به عليه وهذا لأن الفقير معاون له في تلك القربة فلا يكون له عليه منة بل المنة للفقير عليه ﴿ قَرْضًا حَسَنًا ﴾ [البقرة : ٢٤٥] من الحلال بالاخلاص ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لانفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ ﴾ [البقرة : ١١٠] أي ثوابه وهو جزاء الشرط ﴿ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا ﴾ [المزمل : ٢٠] مما خلفتم وتركتم فالمفعول الثاني لـ ﴿ تَجِدُوهُ ﴾ خيرا و ﴿ هُوَ ﴾ فصل.
وجاز وإن لم يقع بين معرفتين لأن أفعل من أشبه المعرفة لامتناعه من حرف التعريف ﴿ وَأَعْظَمَ أَجْرًا ﴾ [المزمل : ٢٠] وأجزل ثواباً ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ﴾ [البقرة : ١٩٩] من السيئات والتقصير في الحسنات ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ [البقرة : ٢٣٥] يستر على أهل الذنب والتقصير ﴿ رَّحِيمُ ﴾ يخفف عن أهل الجهد والتوفيق.
٤٥٠


الصفحة التالية
Icon