﴿ فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى ﴾ [النازعات : ١٨] هل لك ميل إلى أن تتطهر من الشرك والعصيان بالطاعة والإيمان.
وبتشديد الزاي : حجازي ﴿ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ ﴾ [النازعات : ١٩] وأرشدك إلى معرفة الله بذكر صفاته فتعرفه ﴿ فَتَخْشَى ﴾ لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة قال الله تعالى :﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالانْعَـامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ﴾ [فاطر : ٢٨] (فاطر : ٨٢) أي العلماء به.
وعن بعض الحكماء : اعرف الله فمن عرف الله لم يقدر أن يعصيه طرفة عين.
فالخشية ملاك الأمور من خشي الله أتى منه كل خير، ومن آمن اجترأ على كل شر.
ومنه الحديث " من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل " بدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض كما يقول الرجل لضيفه : هل لك أن تنزل بنا؟ وأردفه الكلام الرقيق ليستدعيه باللطف في القول ويستنزله بالمداراة عن عتوه كما أمر بذلك في قوله تعالى :﴿ فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا ﴾ [طه : ٤٤] (طه : ٤٤) ﴿ فَأَرَاـاهُ الايَةَ الْكُبْرَى ﴾ [النازعات : ٢٠] أي فذهب فأرى موسى فرعون العصا أو العصا واليد البيضاء لأنهما في حكم آية واحدة ﴿ فَكَذَّبَ ﴾ فرعون بموسى والآية الكبرى وسماهما ساحراً وسحراً ﴿ وَعَصَى ﴾ الله تعالى ﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ ﴾ [المدثر : ٢٣] تولى عن موسى ﴿ يَسْعَى ﴾ يجتهد في مكايدته، أو لما رأى الثعبان أدبر مرعوباً يسرع في مشيته وكان طيّاشاً خفيفاً ﴿ فَحَشَرَ ﴾ فجمع السحرة وجنده ﴿ فَنَادَى ﴾ في المقام الذي اجتمعوا فيه معه ﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الاعْلَى ﴾ [النازعات : ٢٤] لا رب فوقي وكانت لهم أصنام يعبدونها ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الاخِرَةِ ﴾ [النازعات : ٢٥] عاقبة الله عقوبة الآخرة والنكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم.
ونصبه على المصدر لأن أخذ بمعنى نكل كأنه قيل : نكل الله به نكال الآخرة أي الإحراق ﴿ وَالاولَى ﴾ أي الإغراق، أو نكال كلمتيه الآخرة وهي ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الاعْلَى ﴾ [النازعات : ٢٤] والأولى وهي ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرِى ﴾ [القصص : ٣٨] (القصص : ٨٣) وبينهما أربعون سنة أو ثلاثون أو عشرون ﴿ إِنَّ فِى ذَالِكَ ﴾ [السجدة : ٢٦] المذكور ﴿ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾ [النازعات : ٢٦] الله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٢
﴿ ءَأَنتُمْ ﴾ يا منكري
٤٨٣
البعث ﴿ أَشَدُّ خَلْقًا ﴾ [النازعات : ٢٧] أصعب خلقاً وإنشاء ﴿ أَمِ السَّمَآءُ ﴾ [النازعات : ٢٧] مبتدأ محذوف الخبر أي أم السماء أشد خلقاً.
ثم بين كيف خلقها فقال ﴿ بَنَـاـاهَا ﴾ أي الله.
ثم بين البناء فقال ﴿ رَفَعَ سَمْكَهَا ﴾ [النازعات : ٢٨] أعلى سقفها.
وقيل : جعل مقدار ذهابها في سمت العلو رفيعاً مسيرة خمسمائة عام ﴿ فَسَوَّاـاهَا ﴾ فعدلها مستوية بلا شقوق ولا فطور ﴿ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا ﴾ [النازعات : ٢٩] أظلمه ﴿ وَأَخْرَجَ ضُحَـاـاهَا ﴾ [النازعات : ٢٩] أبرز ضوء شمسها، وأضيف الليل والشمس إلى السماء لأن الليل ظلمتها والشمس سراجها ﴿ وَالارْضَ بَعْدَ ذَالِكَ دَحَـاـاهَآ ﴾ [النازعات : ٣٠] بسطها وكانت مخلوقة غير مدحوة فدحيت من مكة بعد خلق السماء بألفي عام.
ثم فسر البسط فقال ﴿ أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا ﴾ [النازعات : ٣١] بتفجير العيون ﴿ وَمَرْعَـاـاهَا ﴾ كلأها ولذا لم يدخل العاطف على ﴿ أَخْرَجَ ﴾ أو ﴿ أَخْرَجَ ﴾ حال بإضمار " قد " ﴿ وَالْجِبَالَ أَرْسَـاـاهَا ﴾ [النازعات : ٣٢] أثبتها وانتصاب الأرض والجبال بإضمار دحاً وأرسى على شريطة التفسير ﴿ مَتَـاعًا لَّكُمْ وَلانْعَـامِكُمْ ﴾ [النازعات : ٣٣] فعل ذلك تمتيعاً لكم ولأنعماكم ﴿ فَإِذَا جَآءَتِ الطَّآمَّةُ الْكُبْرَى ﴾ [النازعات : ٣٤] الداهية العظمى التي تطم على الدواهي أي تعلو وتغلب وهي النفخة الثانية، أو الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار.
﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الانسَـانُ ﴾ [النازعات : ٣٥] بدل من ﴿ إِذَا جَآءَتْ ﴾ [الأنعام : ١٠٩] أي إذا رأى أعماله مدونة في كتابه يتذكرها وكان قد نسيها ﴿ مَا سَعَى ﴾ [النجم : ٣٩] مصدرية أي سعيه أو موصولة ﴿ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ ﴾ [الشعراء : ٩١] وأظهرت ﴿ لِمَن يَرَى ﴾ [النازعات : ٣٦] لكل راء لظهورها ظهوراً بيناً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٢