﴿ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ﴾ [عبس : ٥] أي من كان غنياً بالمال ﴿ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى ﴾ [عبس : ٦] تتعرض بالإقبال عليه حرصاً على إيمانه ﴿ تَصَدَّى ﴾ بإدغام التاء في الصاد : حجازي ﴿ وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى ﴾ [عبس : ٧] وليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالإسلام إن عليك إلا البلاغ ﴿ وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَى ﴾ [عبس : ٨] يسرع في طلب الخير ﴿ وَهُوَ يَخْشَى ﴾ [عبس : ٩] الله أو الكفار أي أذاهم في إتيانك أو الكبوة كعادة العميان ﴿ فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى ﴾ [عبس : ١٠] تتشاغل وأصله تتلهى.
وروي أنه ما عبس بعدها في وجه فقير قط ولا تصدى لغني.
وروي أن الفقراء في مجلس الشورى كانوا أمراء.
﴿ كَلا ﴾ ردع أي لا تعد إلى مثله ﴿ إِنَّهَا ﴾ إن السورة أو الآيات ﴿ تَذْكِرَةٌ ﴾ موعظة يجب الاتعاظ بها والعمل بموجبها ﴿ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ ﴾ [المدثر : ٥٥] فمن شاء أن يذكره ذكره.
أو ذكر الضمير لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ، والمعنى فمن شاء الذكر ألهمه الله تعالى إياه ﴿ فِى صُحُفٍ ﴾ [عبس : ١٣] صفة لـ ﴿ تَذْكِرَةٌ ﴾ أي أنها مثيتة في صحف منتسخة من اللوح، أو خبر مبتدأ محذوف أي هي في صحف ﴿ مُّكَرَّمَةٍ ﴾ عند الله ﴿ مَّرْفُوعَةٍ ﴾ في السماء أو مرفوعة القدر والمنزلة ﴿ مُّطَهَّرَة ﴾ عن مس غير الملائكة أو عما ليس من كلام الله تعالى ﴿ بِأَيْدِى سَفَرَةٍ ﴾ [عبس : ١٥] كتبة جمع سافر أي الملائكة ينتسخون الكتب من اللوح ﴿ كِرَام ﴾ على الله أو عن المعاصي ﴿ بَرَرَةٍ ﴾ أتقياء جمع بار.
﴿ قُتِلَ الانسَـانُ ﴾ [عبس : ١٧] لعل الكافر أو هو أمية أو عتبة
﴿ مَآ أَكْفَرَهُ ﴾ [عبس : ١٧]
٤٨٧
استفهام توبيخ أي أي شيء حمله على الكفر، أو هو تعجب أي ما أشد كفره ﴿ مِنْ أَىِّ شَىْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [عبس : ١٨] من أي حقير خلقه وهو استفهام ومعناه التقرير.
ثم بين ذلك الشيء فقال ﴿ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴾ [عبس : ١٩] على ما يشاء من خلقه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٦
﴿ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ﴾ [عبس : ٢٠] نصب السبيل بإضمار يسر أي ثم سهل له سبيل الخروج من بطن أمه أو بين له سبيل الخير والشر ﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾ [عبس : ٢١] جعله ذا قبر يواري فيه لا كالبهائم كرامة له قبر الميت دفنه وأقبره الميت أمره بأن يقبره ومكنه منه ﴿ ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ ﴾ [عبس : ٢٢] أحياه بعد موته ﴿ كَلا ﴾ ردع للإنسان عن الكفر ﴿ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ ﴾ [عبس : ٢٣] لم يفعل هذا الكافر ما أمره الله به من الإيمان.
ولما عدد النعم في نفسه من ابتداء حدوثه إلى آن انتهائه أتبعه ذكر النعم فيما يحتاج إليه فقال ﴿ فَلْيَنظُرِ الانسَـانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾ [عبس : ٢٤] الذي يأكله ويحيا به كيف دبرنا أمره ﴿ أَنَّا ﴾ بالفتح : كوفي على أنه بدل اشتمال من الطعام، وبالكسر على الاستئناف : غيرهم ﴿ صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبًّا ﴾ [عبس : ٢٥] يعني المطر من السحاب ﴿ ثُمَّ شَقَقْنَا الارْضَ شَقًّا ﴾ [عبس : ٢٦] بالنبات ﴿ فَأَنابَتْنَا فِيهَا حَبًّا ﴾ [عبس : ٢٧] كالبر والشعير وغيرهما مما يتغذى به ﴿ وَعِنَبًا ﴾ ثمرة الكرم أي الطعام والفاكهة ﴿ وَقَضْبًا ﴾ رطبة سمي بمصدر قضبه أي قطعه لأنه يقضب مرة بعد مرة ﴿ وَزَيْتُونًا وَنَخْلا * وَحَدَآ ـاِقَ ﴾ بساتين ﴿ غُلْبًا ﴾ غلاظ الأشجار جمع غلباء ﴿ وَفَـاكِهَةً ﴾ لكم ﴿ وَأَبًّا ﴾ مرعى لدوابكم ﴿ مَّتَـاعًا ﴾ مصدر أي منفعة ﴿ لَّكُمْ وَلانْعَـامِكُمْ * فَإِذَا جَآءَتِ الصَّآخَّةُ ﴾ صيحة القيامة لأنها تصخ الآذان أي تصمها وجوابه محذوف لظهوره ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴾ لتبعات بينه وبينهم أو لاشتغاله بنفسه ﴿ وَصَـاحِبَتِهِ ﴾ وزوجته ﴿ وَبَنِيهِ ﴾ بدأ بالأخ ثم بالأبوين لأنهما أقرب منه ثم بالصاحبة والبنين لأنهم أحب.
قيل : أول من يفر من أخيه هابيل، ومن أبويه إبراهيم، ومن صاحبته نوح ولوط، ومن ابنه نوح ﴿ لِكُلِّ امْرِى ٍ مِّنْهُمْ يَوْمَـاـاِذٍ شَأْنٌ ﴾ [عبس : ٣٧] في نفسه ﴿ يُغْنِيهِ ﴾ يكفيه في الاهتمام به ويشغله عن غيره.
٤٨٨