﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ﴾ [البروج : ١٣] أي يخلقهم ابتداء ثم يعيدهم بعد أن صيرهم تراباً، دل باقتداره على الابداء والإعادة على شدة بطشه، أو أوعد الكفرة بأنه يعيدهم كما أبدأهم ليبطش بهم إذ لم يشكروا نعمة الابداء وكذبوا بالإعادة ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ ﴾ [يونس : ١٠٧] الساتر للعيوب العافي عن الذنوب ﴿ الْوَدُودُ ﴾ المحب لأوليائه.
وقيل : الفاعل لأهل الطاعة ما يفعله الودود من إعطائهم ما أرادوا ﴿ ذُو الْعَرْشِ ﴾ [البروج : ١٥] خالقه ومالكه ﴿ الْمَجِيدُ ﴾ وبالجر : حمزة وعلي على أنه صفة للعرش ومجد الله عظمته ومجد العرش علوه وعظمه ﴿ فَعَّالٌ ﴾ خبر مبتدأ محذوف ﴿ لِّمَا يُرِيدُ ﴾ [هود : ١٠٧] تكوينه فيكون فيه دلالة خلق أفعال العباد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٠٦
﴿ هَلْ أَتَـاـاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ ﴾ [البروج : ١٧] أي قد أتاك خبر الجموع الطاغية في الأمم الخالية ﴿ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ﴾ [البروج : ١٨] بدل من ﴿ الْجُنُودِ ﴾ وأراد بفرعون إياه وآله والمعنى قد عرفت تكذيب تلك الجنود للرسل وما نزل بهم لتكذيبهم ﴿ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [البروج : ١٩] من قومك ﴿ فِى تَكْذِيبٍ ﴾ [البروج : ١٩] واستيجاب للعذاب ولا يعتبرون بالجنود لا لخفاء حال الجنود عليهم لكن يكذبونك عناداً ﴿ وَاللَّهُ مِن وَرَآ ـاِهِم مُّحِيطُ ﴾ [البروج : ٢٠] أي عالم بأحوالهم وقادر عليهم وهم لا يعجزونه، والإحاطة بهم من ورائهم مثل لأنهم لا يفوتونه كما لا يفوت الشيء المحيط به ﴿ بَلْ هُوَ ﴾ [العنكبوت : ٤٩] بل هذا الذي كذبوا به ﴿ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ ﴾ [البروج : ٢١] شريف عالي الطبقة في الكتب وفي نظمه وإعجازه ليس كما يزعمون أنه مفترى وأنه أساطير الأولين ﴿ فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظ ﴾ [البروج : ٢٢] من وصول الشياطين إليه ﴿ مَّحْفُوظ ﴾ : نافع صفة للقرآن أي من التغيير والتبديل.
واللوح عند الحسن شيء يلوح للملائكة فيقرؤونه، وعند ابن عباس رضي الله عنهما وهو من درة بيضاء طولها ما بين السماء والأرض، وعرضه ما بين المشرق والمغرب، قلمه نور وكل شيء فيه مسطور.
مقاتل : هو على يمين العرش.
وقيل : أعلاه معقود بالعرش وأسفله في حجر ملك كريم
٥٠٧
سورة الطارق
مكية وهي سبع عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَالسَّمَآءِ وَالطَّارِقِ ﴾ عظم قدر السماء في أعين الخلق لكونها معدن رزقهم ومسكن ملائكته، وفيها خلق الجنة فأقسم بها وبالطارق والمراد جنس النجوم، أو جنس الشهب التي يرجم بها لعظم منفعتها، ثم فسره بالنجم الثاقب أي المضيء كأنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه، ووصف بالطارق لأنه يبدو بالليل كما يقال للآتي ليلاً طارق، أو لأنه يطرق الجني أي يصكه.وجواب القسم ﴿ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ﴾ [الطارق : ٤] لأن ﴿ لَّمَّا ﴾ إن كانت مشددة بمعنى " إلا " كقراءة عاصم وحمزة وابن عامر فتكون " إن " نافية أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، وإن كانت مخففة كقراءة غيرهم فتكون " إن " مخففة من الثقيلة أي إن كل نفس لعليها حافظ يحفظها من الآفات، أو يحفظ عملها ورزقها وأجلها، فإذا استوفى ذلك مات.
وقيل : هو كاتب الأعمال فـ " ما " زائدة واللام فارقة بين الثقيلة والخفيفة، و ﴿ حَافِظٌ ﴾ مبتدأ و ﴿ عَلَيْهَا ﴾ الخبر، والجملة خبر ﴿ كُلُّ ﴾ وأيتهما كانت فهي مما يتلقى به القسم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٠٨
﴿ فَلْيَنظُرِ الانسَـانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾ [الطارق : ٥] لما ذكر أن على كل نفس حافظاً أمره بالنظر في
٥٠٨