﴿ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾ [البلد : ٣] هما آدم وولده، أو كل والد وولده، أو إبراهيم وولده، و " ما " بمعنى " من " أو بمعنى " الذي " ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الانسَـانَ ﴾ [التين : ٤] جواب القسم ﴿ فِى كَبَدٍ ﴾ [البلد : ٤] مشقة يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة.
وعن ذي النون : لم يزل مربوطاً بحبل القضاء مدعواً إلى الائتمار والانتهاء.
والضمير في ﴿ أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ﴾ [البلد : ٥] لبعض صناديد قريش الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يكابد منهم ما يكابد، ثم قيل هو أبو الأشد.
وقيل : الوليد بن المغيرة.
والمعنى أيظن هذا الصنديد القوي في قومه المتصعب للمؤمنين أن لن تقوم قيامه ولن يقدر على الانتقام منه، ثم ذكر ما يقوله في ذلك اليوم وأنه ﴿ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالا لُّبَدًا ﴾ [البلد : ٦] أي كثيراً جمع لبدة وهو ما تلبد أي كثر واجتمع، يريد كثرة ما أنفقه فيما كان أهل الجاهلية يسمونها مكارم ومعالي ﴿ أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُا أَحَدٌ ﴾ [البلد : ٧] حين كان ينفق ما ينفق رياء وافتخاراً يعني أن الله تعالى كان يراه وكان عليه رقيباً.
ثم ذكر نعمه عليه فقال ﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾ [البلد : ٨] يبصر بهما المرئيات ﴿ وَلِسَانًا ﴾ يعبر عما في ضميره ﴿ وَشَفَتَيْنِ ﴾ يستر بهما ثغره ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ ﴿ وَهَدَيْنَـاهُ النَّجْدَينِ ﴾ [البلد : ١٠] طريقي الخير والشر المفضيين إلى الجنة والنار وقيل الثديين.
﴿ فَلا اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴾ [البلد : ١١].
﴿ ءَامَنُوا ﴾ يعني فلم يشكر تلك الآيادي والنعم بالأعمال الصالحة من فك الرقاب أو إطعام اليتامى
٥٢٥
والمساكين، ثم بالإيمان الذي هو أصل كل طاعة وأساس كل خير، بل غمط النعم وكفر بالمنعم.
والمعنى أن الإنفاق على هذا الوجه مرضي نافع عند الله لا أن يهلك ماله لبداً في الرياء والفخار.
وقلما تستعمل " لا " مع الماضي إلا مكررة، وإنما لم تكرر في الكلام الأفصح لأنه لما فسر اقتحام القبة بثلاثة أشياء صار كأنه أعاد " لا " ثلاث مرات وتقديره : فلا فك رقبة ولا أطعم مسكيناً ولا آمن.
والاقتحام الدخول والمجاوزة بشدة ومشقة، والقحمة الشدة فجعل الصالحة عقبة وعملها اقتحاماً لها في ذلك من معاناة المشقة ومجاهدة النفس.
وعن الحسن : عقبة والله شديدة مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه الشيطان.
والمراد بقوله ﴿ مَا الْعَقَبَةُ ﴾ [البلد : ١٢] ما اقتحامها ومعناه أنك لم تدركنه صعوبتها على النفس وكنه ثوابها عند الله.
وفك الرقبة تخليصها من الرق والإعانة في مال الكتابة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٢٤
﴿ فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ ﴾ مكي وأبو عمرو وعلي على الإبدال من اقتحم العقبة، وقوله ﴿ الْعَقَبَةَ * وَمَآ أَدْرَاـاكَ مَا الْعَقَبَةُ ﴾ [البلد : ١٢] اعتراض.
غيرهم ﴿ فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَـامٌ ﴾ على : اقتحامها فك رقبة أو إطعام.
والمسغبة المجاعة، والمقربة القرابة، والمتربة الفقر، مفعلات من سغب إذا جاع وقرب في النسب.
يقال : فلان ذو قرابتي وذو مقربتي.
وترب إذا افتقر ومعناه التصق بالتراب فيكون مأواه المزابل ووصف اليوم بذي مسغبة كقولهم همٌّ ناصب أي ذو نصب.
ومعنى ﴿ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [البلد : ١٧] أي داوم على الإيمان.
وقيل :" ثم " بمعنى الواو.
وقيل : إنما جاء بـ " ثم " لتراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة عن العتق والصدقة لا في الوقت، إذ الإيمان هو السابق على غيره ولا يثبت عمل صالح إلا به ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر : ٣] عن المعاصي وعلى الطاعات والمحن التي يبتلى بها المؤمن ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ﴾ [البلد : ١٧] بالتراحم فيما بينهم ﴿ أؤلئك أَصْحَـابُ الْمَيْمَنَةِ ﴾ [البلد : ١٨] أي المصوفون بهذه الصفات من أصحاب الميمنة ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِـاَايَـاتِنَا ﴾ [البلد : ١٩] بالقرآن أو بدلائلنا ﴿ هُمْ أَصْحَـابُ الْمَشْـاَمَةِ ﴾ [البلد : ١٩] أصحاب الشمال والميمنة والمشأمة اليمين والشمال، أو اليمن والشؤم أي الميامين على أنفسهم والمشائيم عليهن ﴿ عَلَيْهِمْ نَارٌ ﴾ وبالهمز : أبو عمرو وحمزة وحفص أي مطبقة من أوصدت الباب وآصدته إذا أطبقته وأغلقته
٥٢٦


الصفحة التالية
Icon