قال أبو عبيدة : الأشقى بمعنى الشقي وهو الكافر، والأتقى بمعنى التقي وهو المؤمن لأنه لا يختصر بالصلى أشقى الأشقياء، ولا بالنجاة أتقى الأتقياء، وإن زعمت أنه نكر النار فأراد ناراً مخصوصة بالأشقى فما تصنع بقوله :﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الاتْقَى ﴾ [الليل : ١٧]، لأن التقي يجنب تلك النار المخصوصة لا الأتقى منهم خاصة، وقيل : الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيها، فقيل ﴿ الاشْقَى ﴾ وجعل مختصاً بالصلي كأن النار لم تخلق إلا له، وقيل الأتقى وجعل مختصاً بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له، وقيل : هما أبو جهل وأبو بكر.
وفيه بطلان زعم المرجئة لأنهم يقولون لا يدخل النار إلا كافر ﴿ رَبِّهِ ﴾ أي وما لأحد عند الله
٥٣١
نعمة يجازيه بها إلا أن يفعل فعلا يبتغي به وجه ربه فيجازيه عليه ﴿ الاعْلَى ﴾ هو الرفيع بسلطانه المنيع في شأنه وبرهانه، ولم يرد به العلو من حيث المكان فذا آية الحدثان ﴿ وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾ [الليل : ٢١] موعد بالثواب الذي يرضيه ويقرّ عينه وهو كقوله تعالى لنبيه عليه السلام :﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى : ٥] (الضحى : ٥).
٥٣٢
سورة والضحى
مكية وهي إحدى عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَالضُّحَى ﴾ المراد وقت الضحى وهو صدر النهار حين ترتفع الشمس.وإنما خص وقت الضحى بالقسم لأنها الساعة التي كلم الله فيها موسى عليه السلام وألقى فيها السحرة سجداً، أو النهار كله لمقابلته بالليل في قوله ﴿ وَالَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾ [الضحى : ٢] سكن، والمراد سكون الناس والأصوات فيه، وجواب القسم ﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴾ [الضحى : ٣] ما تركك منذ اختارك وما أبغضك منذ أحبك والتوديع مبالغة في الودع، لأن من ودعك مفارقاً فقد بالغ في تركك، روي أن الوحي تأخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أياماً فقال المشركون : إن محمداً ودعه ربه وقلاه، فنزلت.
وحذف الضمير من ﴿ قَلَى ﴾ كحذفه من الذاكرات في قوله :﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ ﴾ [الأحزاب : ٣٥] (الأحزاب : ٥٣)، يريد والذاكراته ونحوه :﴿ فَـاَاوَى ﴾، ﴿ فَهَدَى ﴾، ﴿ فَأَغْنَى ﴾ وهو اختصار لفظي لظهور المحذوف ﴿ وَلَلاخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الاولَى ﴾ [الضحى : ٤] أي ما أعد الله لك في الآخرة من المقام المحمود والحوض المورود والخير الموعود خير مما أعجبك في الدنيا، وقيل : وجه اتصاله بما قبله أنه لما كان في ضمن نفي التوديع والقلى أن الله مواصلك بالوحي إليك وأنك حبيب الله، ولا ترى كرامة أعظم من ذلك، أخبره أن حاله في الآخرة أعظم من ذلك
٥٣٣
لتقدمه على الأنبياء وشهادة أمته على الأمم وغير ذلك.
﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ ﴾ [الضحى : ٥] في الآخرة من الثواب ومقام الشفاعة وغير ذلك ﴿ فَتَرْضَى ﴾ ولما نزلت قال صلى الله عليه وسلّم " إذا لا أرضى قط وواحد من أمتي في النار " واللام الداخلة على " سوف " لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة، والمبتدأ محذوف تقديره : ولأنت سوف يعطيك، ونحوه لأقسم فيمن قرأ كذلك لأن المعنى لأنا أقسم، وهذا لأنها إن كانت لام قسم فلامه لا تدخل على المضارع إلا مع نون التوكيد فتعين أن تكون لام الابتداء، ولامه لا تدخل إلا على المبتدأ والخبر فلا بد من تقدير مبتدأ وخبر كما ذكرنا، كذا ذكره صاحب الكشاف.
وذكر صاحب الكشف هي لام القسم، واستغنى عن نون التوكيد لأن النون إنما تدخل ليؤذن أن اللام لام القسم لا لام الابتداء، وقد علم أنه ليس للابتداء لدخولها على " سوف " لأن لام الابتداء لا تدخل على " سوف "، وذكر أن الجمع بين حرفي التأكيد والتأخير يؤذن بأن العطاء كائن لا محالة وإن تأخر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٣٣